محمد الحمادي
محمد الحمادي
رئيس تحرير صحيفة الرؤية

قمة الحزم..عزم عربي جديد

آراء

من حضر القمة العربية الـ26 التي أنهت أعمالها بالأمس في شرم الشيخ في مصر، واستمع إلى كلمات القادة فيها وتجول في أروقة قاعات المؤتمر، ونظر إلى وجوه المشاركين والحضور سيشعر بشيء مختلف، وبأن شيئاً قد تغير في هذه المنطقة، وأن أشياء تتغير. روح هذه القمة فيها شيء مختلف مزيج من التفاؤل والريبة.. وكثير من الإيجابية ومن الرغبة في إثبات أن الأمور قد تغيرت… بعض العرب متحمس للتغيير، للتقدم إلى الأمام، للفعل بدل انتظار رد الفعل، البعض الآخر من العرب لا يزال يعيش الريبة والشك، ولا يؤمن بقدرته على فعل شيء، أو أي شيء! وهذا متوقع في ظل سنوات من التشرذم العربي، لكن كل شيء قابل للتغير والإصلاح. بلا شك أن ما جعل قمة العرب في 2015 مختلفة هو أنها جاءت بعد عملية «عاصفة الحزم» من أجل إعادة الشرعية لليمن، وجاءت في وقت لم يكن أحد في العالم العربي أو خارجه يعتقد أن العرب يمكن أن يتخذوا قراراً بهذا الحجم، وأن يحركوا جيوشهم وطائراتهم لحماية شعب من اعتداء ميليشيات انقلبت على الشرعية، وأصبحت تفرض الأمر الواقع بالقوة والترهيب على الناس، ومن خلال دعم خارجي كبير.. لا أحد كان يتوقع شيئاً غير «التعاطف العربي والشجب الأممي»، لكن عندما استيقظ العرب صباح 26 مارس اكتشفوا أن جيوشاً عربية مؤيدة من أطراف إقليمية ودولية بدأت ضرب الانقلابيين الذين اعتدوا على السلطة الشرعية في اليمن وأرهبوا الشعب ورفضوا الحوار.

«عاصفة الحزم» جاءت لتكون رسالة قوية للمنقلبين على الشرعية ليعودوا إلى جادة الصواب، وجاءت كرسالة أقوى لإيران وللقوى الأخرى التي تؤيد التدخل في الشؤون اليمنية والشؤون العربية بأن العرب لن يسكتوا بعد اليوم، ولن يتخذوا موقف المتفرج على التدخلات والاستفزازات التي سببت الفوضى في المنطقة.
لقد كانت كلمات قادة الدول العربية المشاركين في القمة تحوي روحاً مختلفة، فقد كانت الكلمات تحمل شعوراً بالثقة في النفس ليس كدول وإنما كأمة.. وفي كلماتهم رغبة في أن تكون عاصفة الحزم بداية لمرحلة عربية كاملة من الحزم في التعامل مع أوضاع المنطقة، وللتعامل مع المتطاولين على دولها والعابثين بمستقبلها.

لقد افتقدت هذه الأمة «الحزم» لعقود طويلة وظلت تتعامل مع الأحداث بمنطق الدبلوماسية وحسن الظن بالآخر، الأمر الذي أوصلنا إلى استهانة القريب قبل البعيد بِنَا وبدأ الجميع يتعامل مع هذه الأمة بدولها الـ22 على أنها لا يمكن ان تتخذ قرارات حازمة أو مواقف كبرى..

ما حدث في اليمن جعل الانقلابيين «الحوثيين» وحليفهم علي عبدالله صالح وحليفتهم الكبرى يستفيقون جميعاً، وينتبهون إلى أن اللعبة قد انتهت، وأن احلامهم بدأت تدك بطائرات الحزم، فانقلبوا على أنفسهم، وأصبحوا يطلبون «الحوار» الذي لطالما رفضوه مستكبرين ومغترين بقوتهم على الأرض.

الاتفاق على تكوين قوة عربية مشتركة، هو قرار حازم أيضاً، وهو من أهم إنجازات هذه القمة، فقد أصبح من المهم جداً وجود جيش عربي واحد محدد الأدوار والواجبات ومعروف للجميع آليات عمله وتحركه، قائم من أجل حماية شعوب المنطقة ومواجهة الإرهاب والإرهابيين ومن أجل صد أي تدخل خارجي سواء كان من دول إقليمية كإيران أو غيرها.

بناء الروح العربية المحطمة لا يقل أهمية عن تكوين قوة عربية مشتركة، فعلى الرغم من كل سلبيات ما يسمى بـ«الربيع العربي»، إلا أن إيجابيته الوحيدة كانت أنه كشف للجميع أن الدول العربية الاثنين والعشرين التي وصلت بها الظروف والأحداث أن جعلتها تكره بعضها البعض وتبحث في محيطها الخارجي عن حليف وشريك، اكتشفت بعد ذلك الربيع الجاف أن مصيرها مع دولها وأمتها، وأن الخير والشر يصيبانها إذا أصابا إحدى شقيقاتها فبشكل أو بآخر الكل يتأثر فيربح أو بخسر..

ما نحتاج إليه بعد قمة شرم الشيخ هو أن نبني على روح هذه القمة وليس فقط على نتائجها وبيانها الختامي، لابد من استثمار بصيص الأمل البسيط الذي عاد لروح هذه الأمة ونشر نور هذا الأمل على أوطاننا، فلا يزال في هذه الأمة خير كثير، ولا يزال فيها قادة يحبون أوطانهم وشعوبهم وأمتهم، وما دامت رئاسة القمة في كنانة الله في الأرض، والقيادة المصرية تؤمن بأمتها العربية ومشغولة بأمنها القومي، فلتنطلق الفكرة من مصر من أجل العمل على تقوية الروح القومية للإنسان العربي. وما دامت مملكة الحزم السعودية تمتلك الرؤية والرغبة في مواجهة من يعتدون على الأمة وتؤمن بمصير هذه الأمة المشترك، فلابد ان تكون جزءا من هذا المشروع، ودولة الإمارات التي تؤمن بهذه الأمة وحقها في الوجود بين الأمم المتقدمة وتمتلك الأدوات والإمكانيات والخبرات للعمل لتحقيق هذا الحلم، فلتبدأ هذه الدول وتنضم إليها شقيقاتها فشباب هذه الأمة ينتظرون منها الكثير ويستحقون منها الأكثر.

لنبدأ في ذلك بعيداً عن الشعارات البراقة والأحلام التي لا تتحقق، فليكن عملنا قائماً على إعادة الروح العربية لأبناء هذه الأمة وإيقاف أصوات الفرقة والتخاذل، فيبقى في هذا الأمة الأمل والقوة مادام أبناؤها يؤمنون بها، أما الكفر بهذه الأمة فلن يوصلنا لأي شيء.

ندرك جميعا تماماً أن إعادة بناء هذه الروح أصعب بكثير من تكوين قوة عربية مشتركة، لكننا أصبحنا في وقت نحن بأمس الحاجة فيه لأن نعمل ونحاول ونحاول ونحاول، فأرضية هذه البناء متوفرة، لكن البناء بحاجة إلى عمل كثير وإيمان كبير بهذه الأمة. وهذا العمل لا يحتاج إلى عقول وأرواح تشبعت بالاحباط والتشاؤم والسلبية، وإنما إلى عقول وأرواح شابة تحمل الحب والأمل لأمتها وتقدر على العمل، ليكون مشروعاً جديداً، بروح جديدة، بروح الشباب وأدواتهم ورؤيتهم.

المصدر: الاتحاد