محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

قوة الأرقام في قراراتك

آراء

الأرقام ليست مهمة في القرارات المؤسسية فحسب، بل حتى على الصعيد الفردي. فحينما تقرأ مثلا أن 25 في المائة من الشعب الخليجي مصاب بداء السكري وأن 40 في المائة منه يعانون من أمراض السمنة أو أن الأسباب الثلاثة الرئيسة للوفاة في بلد ما، هو مرض كذا وكذا فمن البديهي أن تتوقع أن يشمل أي برنامج عمل للحكومة خطوات أو حلول عملية تستفيد من هذه المعطيات الرقمية.

وما يميز المؤسسات في العصر الحديث عن العصور السابقة أن بيوت الاستشارات ومراكز الإحصاء تقدم لها على مدار العام معلومات دقيقة تسهل وتدعم عملية اتخاذ القرار. وهذا يذكرني بمقترح أطلقه قبل أيام أحد نواب برلمان بإغلاق كلية بكاملها في جامعة عربية عريقة بحجة أن مخرجاتها لا تفيد سوق العمل، فثارت ثائرة المعارضين فطالب العقلاني منهم أن يُدَعّم هذا الاقتراح على الأقل بدراسة. والدراسات العلمية المحايدة خير من إلقاء المقترحات جزافا.

مثال آخر، يظهر قوة الرقم في اتخاذ القرار المؤسسي هو توافر معلومات رقمية عن عدد الجرائم وأنواعها وأوقاتها، ونسب عالمية ومحلية تظهر مستوى التعليم والصحة وغيرهما وتقارنها مثلا بمؤشرات أداء عالمية. هذه المعلومات تسهل مهمة تفاعل المسؤولين وحتى مؤسسات المجتمع المدني والشركات معها فيستفيد كل منهُم بدوره من تلك المعلومات. وحتى الباحثين يمكن أم يستندوا إلى هذه الإحصائيات.

وهنا تجدر الإشارة إلى الفارق بين الدراسة والإحصائية. فالأولى تجرى عادة على عينة عشوائية من مجتمع الدراسة. أما الثانية فتحصي تقريبا كل شيء، مثل إحصاء عدد السكان أو المرضى أو الموظفين في قطاع ما أو عدد المراجعين خلال فترة زمنية معينة، فهي أدق لأنها أداة مختلفة بطبيعة الحال.

وليس مهما دائماً الإعلان عن الرقم لتبرير قرار ما. فقد تكون هناك معلومات تتعلق بالأمن القومي أو النسيج الاجتماعي أو بسمعة أفراد داخل مؤسسة تجارية أو عملائها من الخارج فيكون الرقم مجرد داعم خفي للقرار. وهذا لا يعني أن يكون الرقم ملازما لكل قرار، فبعض القرارات تتطلب قبول قدر مدروس من المجازفة أو السرعة لتقليل حجم الأضرار المتوقعة.

أما على الصعيد الفردي فصار الرقم يتحكم في كثير من قراراتنا ربما من دون أن نشعر. ففي نيويورك مثلا، صدر قانون يجبر المقاهي وغيرها بوضع عدد السعرات الحرارية إلى جانب المنتج. وصارت كثير من المنتجات في العالم مجبرة بحكم القانون أن تفصل مكونات الطعام وتقارنه بالحصة اليومية الصحية للفرد. وفي إنجلترا مثلا وجدت تفاصيل عجيبة عن عادات الإنجليز رقميا مثل كم كوبا من الشاي والسكر واللحم والملح والخضراوات يتناولون وغيرها وكلها موثوقة وتصدر بانتظام ليس كما في بعض بلداننا تصدر بعد عامين، هذا إن كانت هناك أرقام تصدر أصلا!

والرقم يؤثر على قراراتك وأحيانا يقنعك. مثل أن يقول لك طبيب إن الوزن المثالي يحسب رقميا بهذه الطريقة، أو أن تحاول جهة إقناعك بإحصائية رصينة فتقول بأن تسعة من أصل عشرة أفراد لديهم تأمين على ممتلكاتهم فتقتنع وتشارك.

ولنتذكر أن الرقم سلاح ذو حدين في قراراتنا فإما يخدعنا بسبب هشاشة الدراسة أو الإحصائية أو يقنعنا حينما يكون من مصادر موثوقة.

http://classic.aawsat.com/leader.asp?article=789210

المصدر: الشرق الأوسط