عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

كيف سيطر علينا هذا الهوس؟

آراء

ما الذي يجعل الناس في أي مجتمع صورة طبق الأصل عن بعضهم بعضاً؟ لا تقولوا هذه الظاهرة غير موجودة، أو إنكم لا تلاحظونها، فكل ما ومن حولنا يؤكد أن معظمنا يعمل ما في وسعه ليشبه الآخرين أو يقلدهم أو يسعى ليمتلك ما يملكون، وهو أمر يبدو غريباً جداً، لكن الأغرب حين يتجاوز الموضوع الثياب والسيارات وأشكال المنازل والأثاث إلى الملامح والتفاصيل الجسدية، فالكل يمتلك الأنف نفسه والحواجب والشفاه والرشاقة و…، إن أطباء التجميل وعمليات التجميل لم تتحول إلى هوس إلا لأن هناك مجتمعاً صارت أكبر مشاكله أن يسعى كل شخص ليكون مثل الآخرين.. المشكلة في هذا الهوس!

الجمال ليس عيباً، والبحث عنه والسعي إليه ليس مشكلة على الإطلاق، المشكلة حين تبحث عن هذا الجمال لتكون مثل غيرك، لتشبهه حتى وإن لم يناسبك هذا الشكل الذي سعيت له، لماذا علينا أن نكون كنجمات ونجوم السينما، نحن أناس عاديون، لن نظهر في أفلام ولن نقف أمام الأضواء والكاميرات، لن نلعب أدوار الأميرات ولا الفتيان الذين يشكلون هوساً للفتيات، هؤلاء يعتاشون بتغيير أشكالهم وبعمليات التجميل، لا يعيشون حياة طبيعية كما نعيش، ولا حياة عادية كذلك، إنهم تحت الضغط ومطالب الأضواء دائماً، لذلك يقعون فريسة الاكتئاب والإدمان والأمراض والعلاقات غير المستقرة، لماذا علينا أن نسعى لهذا الخراب النفسي، بينما نحن نتمتع حقيقة بما لا يمكنهم الحصول عليه: الحياة العادية والبسيطة!

لقد أصبحت الحياة والسلوكيات وردات الفعل البسيطة والطبيعية والعادية، أمراً يكاد يكون نادراً، فالكل يريد أن يكون نجماً على مواقع التواصل، الكل يحلم بأن يكون (فاشينيستا)، لا شيء حقيقياً تقريباً، نادرون أولئك الذين يفكرون في الامتلاء بأنفسهم وأفكارهم، الامتلاء بالأصدقاء وبالكتب وباكتشاف العالم والأحاديث الحقيقية، الامتلاء بالتفكير في الآخرين ومحاولة تغيير حياة من حولهم والتأثير فيها بشكل إيجابي، حتى أطفالنا يجب أن يتحدثوا لغة ليست لغتهم، لأن كل الناس تفعل ذلك، حتى وإن بدا أطفالنا بلهاء وأنت تسألهم عن شيء من صميم الحياة اليومية في مجتمعهم!

السطحية أصبحت مرض العصر، فلو حاولت أن تبدو شخصاً عادياً ولم تظهر ميلاً أو تفقهاً في الموضة والماركات العالمية اعتبرت متفذلكاً ومعقداً أو بخيلاً، لكن لا أحد يريد أن يعتبرك إنساناً عادياً أو حقيقياً، فذلك يصدم فكرة معينة لديهم، بينما تريد أنت أن تتصرف كأي إنسان يسير في الشارع أو يركب سيارة أجرة أو يصرخ على شخص قليل الذوق بصق في الشارع وعبر بلا مبالاة، أو تتحدث وتضحك كما تريد، وترغب في أكلات تقليدية كانت تطهوها لك جدتك مثلاً.. لماذا يبدو الإنسان البسيط والعادي غير موجود في الجوار وغير مقبول أحياناً كثيرة !!

المصدر: البيان