محمد الرميحي
محمد الرميحي
محمد غانم الرميحي، أستاذ في علم الاجتماع في جامعة الكويت

لبنان بانتظار الصاعق!

آراء

بالنسبة للنظام السوري، لبنان زائدة تابعة له.. هكذا استقر في ذهن متخذ القرار السوري منذ زمن طويل، وبنى على الفكرة ممارسات كانت خليطا من الخُوة والاستزلام، واستمرت تلك الممارسة حتى غدت عادة.

لقد كان منظر السفير اللبناني لدى الكويت، وهو كالظل للسفير السوري، محط استهجان، فكل ما يقوله السفير السوري لوسائل الإعلام يردده – السفير اللبناني – كما هو من دون حرف زائد، بل يتبع الثاني الأول في المنتديات الشعبية ولا يتحدث إلا مؤيدا وموافقا، وذلك في مجتمع تعودت «ديوانياته» على الكلام الصريح في الشأن العام، وهكذا انتشرت ظاهرة التبعية في مؤسسات لبنان المختلفة الداخلية والخارجية. في اجتماعات الجامعة العربية كان المندوب اللبناني يُفوض بقول ما لا يقال نيابة عن النظام السوري، بل إن التصفيق في المنتديات اللبنانية عند ذكر أسماء مثل حافظ وباسل وأخيرا بشار يدوّي إلى عنان السماء، جزء منه خوف، والآخر مداراة، وبعضه تزلف.

حتى جاءت انتفاضة 14 مارس (آذار) 2005 اللبنانية، بعد مجموعة تداعيات محلية وإقليمية، فاضطرت الهيمنة السورية على لبنان أن تتخفى – ظاهريا – ومظهرها المادي انسحاب الجيش وقوات الأمن البارزة من الساحة اللبنانية. غيرها من النفوذ السوري شبه المستتر استمر في الوجود بين مؤسسات لبنانية وفي شخصيات أيضا شكلها الظاهري أنها لبنانية وهي في الحقيقة سورية الهوى، عن رضا أو تخويف أو انتهازية فاقعة.

فالنفوذ السوري الذي أراد بعض اللبنانيين أن يعتبره «تحالفا» في «الممانعة» بقي كما هو خضوعا، يتنازعه تياران؛ الأول الذي يرغب حقيقة في استقلال لبنان، وأن يكون سيدا حرا على أرضه، من دون أن تتوافر له القدرة على ذلك، وآخر صاحب مصالح – تحت شعارات مختلفة – بعضها تافه وبعضها مخبأ تحت هلامية كلامية، استمر في التبعية.

تهديد الحكومة السورية للبنانية بأن تقوم الأخيرة بكف ما تعتقد سوريا أنه اعتداء على أراضيها، ثم الاشتباك بالنار من النواحي الثلاث، القوات السورية الرسمية، وقوات الجيش الحر، وبعض مناصري حزب الله، ثم أخيرا استخدام الطائرات ضد القرى اللبنانية، جعل من مناصري النظام السوري في لبنان في موقف حرج، وبعضهم بلع لسانه، فإما الانحياز لبلدهم أو تغطية الانحياز للآخر بالكثير من الشعارات التي لم تعد تُشترى في سوق النخاسة الكلامية المرسلة.

خطوتان أشعلتا الفتيل المرتبط بالوضع اللبناني؛ الأولى هي الحديث الذي أدلى به السيد عدنان منصور وزير الخارجية اللبناني – في إعادة لما مضى من التبعية – والذي تلاه في قاعة الجامعة العربية وطالب فيه بأن يعود ممثل سوريا إلى مقعدها في الجامعة، والذي ضرب بعرض الحائط ثوابت في السياسة الإقليمية واللبنانية: أولا قرار الجامعة سحب تمثيل الحكومة السوري لما ارتكبته من فظائع ضد شعبها، والثاني ما قيل عن النأي اللبناني بالنفس، الذي روج له وصدقه الرئيس نجيب ميقاتي وتحدث عنه أكثر من مرة.

بعد استخدام سلاح الطيران السوري على الحدود اللبنانية، وطلب الرئيس اللبناني من وزير الخارجية، مرة أخرى عدنان منصور، أن يوجه رسالة احتجاج ضد الاعتداء العسكري، يكون ميقات حصحصة الحق قد دنا، فإما أن يكون لبنان بلدا مستقلا، أو أن يكون تابعا، لا وسط بين الاثنين، وفي الحالة الثانية تقترب شعلة الانفجار من خزانة البارود.

إذا أخذنا السياق السابق لعام 2005 وتبعية الدبلوماسية اللبنانية للسورية، والتي لم يفق منها بعد منصور، فعليه أن يستأذن، إما وزير الخارجية السوري لتقديم ذلك الاحتجاج، أو حتى السفير السوري في بيروت، أما إذا قرر أن يمتثل لطلب رئيس الجمهورية فعليه أن يتنحى من منصبه، حيث إن الناس سوف يتساءلون عن دورانه العجيب من زاوية مطالبا بعودة مندوب سوريا، إلى احتجاج على عدوانها.. فأيهما منصور الحقيقي ومن يمثله؟!

ما تقدم جله تفاصيل لصورة أكبر.. إن لبنان ومن خلال طائفة من اللبنانيين، راهنوا على النظام السوري تزلفا أو مصلحيا أو حتى بغطاء آيديولوجي، أمامه مكانان كي يذهب إليهما، إما من خلال فهم أعمق لما يريده السوريون لوطنهم من حرية، أو الانتصار لآلة القتل والتدمير التي لا توفر أيا من الردع أو الركع في كل أرض سوريا. بالانحياز إلى نصرة القاتل، يُغامر بعض اللبنانيين بمستقبل لبنان حقيقة لا تجاوزا، لأن من تداعيات هذا الانحياز عزل لبنان عن العالم، والمغامرة بحرب أهلية، هذه المرة لن تبقي ولن تذر.

السيد نجيب ميقاتي أكل الحصرم، حيث استنزفه حلفاؤه الجدد حتى العظم، ولم يبق من طاقته السياسية شيء يستر العورة، وتآكلت سمعته لدى طائفته، فقد ناور وتوارى ثم تلعثم خلف الكثير من المقولات في السنوات الأخيرة طلبا لكرسي يهزه غيره.. فإبعاد لبنان عن نيران الصراع الذي قال به قد فشل، بدليل أن النظام في سوريا – رغم ما تبقى له من حلفاء في لبنان – فضل أن يستعجل التفجير من خلال إرسال الطائرات إلى الحدود، وقد يتجاوز ذلك لولا اتفاق قديم مع إسرائيل بعدم تجاوز اليد السورية خطوطا معينة على الأرض اللبنانية.

الأيدي التي كانت تصفق في لبنان لأشخاص النظام السوري، لأسبابها المختلفة، بدأت تقل، بل ويكاد الباقي منها يعتمد على هيكل آيديولوجي من دون لحم يغطيه من الشارع اللبناني، كما أن كثيرا من أطراف الصراع السياسي اللبناني ليست لديهم الرغبة، وربما ليست لديهم القدرة، على الدخول في صراع مفتوح يعرفون قبل غيرهم فداحة الخسارة التي سوف تطال الجميع جراءه.

إن كان اللبناني شاطرا في التجارة، فهو لأسباب نابعة منه أو خارجة عنه فاشل في السياسة التي أدخلته في صراع عبثي، وكلما تنبهت شخصيات سياسية لبنانية لإقالة عثرته، تغلبت الأنانية وتم وأدها. فقد قتل الحريري على طريق تعافي لبنان، كما قتل عدد من الشهداء معه، قبله وبعده، على الطريق نفسه.

ترياق الحرب السورية قد يكون قد بدأ تحضيره بخروج الحكومة الحرة من تجمع المعارضة إلى العلن، مع دعم دولي جاد لها، كما أن الجرح السوري على عمقه ونزيفه ومستوى الكراهية التي بثها قد يكون أقرب التئاما من جرح لبناني جديد يفتح، فإن فُتح – في الأوضاع الإقليمية الراهنة نزيف لبناني جديد – سوف يُترك مفتوحا لعشرات السنوات، وسيأكل اللبنانيون بعضهم بعضا كما الجراد، ولن يبقى لبنان كما عرف بعد الحرب العالمية الثانية، هذا إن بقي!

في إطار الوضع اليائس الذي تمر به قيادة دمشق، وأثناء تشوشها فاقدة الأمل من أي منقذ، فقد تتسم أعمالها القادمة بالتهور، عن طريق استخدام أنواع جديدة من وسائل القتل، كمثل الغازات.. وأيضا قد تفتح الجرح اللبناني على قاعدة فهم خاطئ بإعادة التاريخ، وأن العالم سوف يهتم بالفرع وينسى الأصل، أي ينشغل بالوضع اللبناني وينسى السوري.. مثل هذه الحسابات ليست بعيدة عن أذهان المتسلطين فاقدي التصور في دمشق، فقد كان ذات مرة أن اضطرب لبنان، فلجأ العالم إلى دمشق، وصرف النظر عن سوءاتها بثمن الحفاظ على سلم هش في لبنان، وقد يرى البعض أن التاريخ قد يتكرر، وذلك وهم آخر يعيشه قصر المهاجرين، من جملة أوهام تحيط به هذه الأيام.

آخر الكلام:

أمراض المصريين النفسية ارتفعت بنسبة 30 في المائة منذ قيام الثورة.. بهذا صرح لـ«الأهرام» الدكتور هاشم بحري رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر.

 المصدر: صحيفة الشرق الأوسط