د. عادل بن عمر المقرن
د. عادل بن عمر المقرن
أستاذ جامعي مشارك بكلية الطب واستشاري أمراض المناعة بالمستشفيات الجامعية بجامعة الملك سعود، ويعمل أستاذا زائرا (غير متفرغ) بجامعة ولاية نيويورك. له عدد من الأبحاث العلمية المنشورة وعدد من الاكتشافات الطبية المسجلة في المعهد الوطني للصحة (NIH) بالولايات المتحدة في مجال الأجسام المضادة ومناعة الأورام بالمشاركة مع عدد من المجموعات البحثية بأمريكا وبريطانيا. حصل على تعليمه العالي وتدريبه المهني في كل من : جامعة ولاية نيويورك، مستشفى ومعهد أبحاث روزول بارك للأورام بنيويورك - بفالو، جامعة دندي بأسكتلندا.

لـمـــــاذا خســــرنا العثمــــــان ؟! – د. عادل بن عمر المقرن

آراء

في مجتمعنا تغلب العاطفة في الحكم على الأمور ولا سيما في موضوع مثل إعفاء معالي د/ عبدالله العثمان الذي صاحبت فترة إدارته للجامعة إحتواء وسيطرة كبيرة على الإعلام بالرغبة والرهبة لرؤساء التحرير وأيضاً ما يسمى ويطلق عليهم “الكُتـَّاب المؤثرين” بالدور الخامس!، مما ساهم في صنع صورة تخيلية مثالية عن إدارة جامعة الملك سعود يشوبها الكذب والتزييف.

لقد كان هناك خلط خطير بين الصفات الشخصية للدكتور العثمان في الجانب الإنساني وتواضعه ومهارات المبادرة والقيادة لديه وعفة يده من جهة، ومن جهة أخرى أدائه العملي والإداري في تسيير دفة الجامعة خلال السنوات الخمس الماضية أدت إلى أحكام عاطفية خاطئة عند كثير من الكتاب والمغردين.

إن إقالة د/ عبدالله العثمان كانت لها حيثيات ينبغي التوقف عندها وتأملها ودراستها للاستفادة منها. لقد كان واضحاً لكل من حضر لقائه الأول مع أعضاء هيئة التدريس بعد تعيينه مديراً لجامعة الملك سعود قبل خمس سنوات عندما قال مراراً وتكراراً أنه سيكون فاشلاً إن بقي في هذا المكان بعد أربع سنوات، في إشارة جلية لطموح توزيره، وكذلك ما ينقل عنه بقوله “يا أطلع ويشير لأعلى أو أطلع ويشير للباب!” وهنا خلل كبير يفسر الأحداث الدراماتيكية التي حدثت لاحقاً.

الأخطاء الكبرى التي أدت في نظري إلى إعفاء د/ عبدالله العثمان هي: (1) شغف د/ العثمان الكبير بالإعلام والأضواء، جعلته طوعاً لهذه الأضواء والبهرج، وكانت سبباً في الكذب المتكرر منه عن إنجازات ورقيه: غزال مثالاً. (2) الكذب على مقام خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – في حكاية غزال (والتي تناولها عدد من الكتاب الشرفاء) وشريحة النانو التي عليها صورة الكعبة وهاتان قاصمة الظهر لتعرضهما لأعلى سلطة سياسية بالبلد، وقبل ذلك ممارسة الكذب على ولي العهد، الأمير سلطان رحمه الله، فيما يتعلق بجائزة نوبل للمياه. (3) فضيحة مجلة ساينس والكذب باعتذارها وما صاحب ذلك من إساءة كبرى لسمعة المملكة على مستوى العالم في البحث العلمي والأكاديمي والتي أثرت على الباحثين محلياً و طالت أثاره حتى لإبنائنا المبتعثين في أمريكا خصوصاً. (4) وادي الرياض للتقنية والمسمى بالذراع الاقتصادي للجامعة والفوضى الإدارية والمالية فيه، والشركات المنبثقة عنه والتي لم يسبق أن نشر لها قوائم مالية! عبر السنوات، وعبث غير المؤهلين فيه من الوكالة المتنفذة. (5) الفوضى العارمة في وكالة الدراسات العليا والبحث العلمي، ووكيلها الذي يعتبر الذراع اليمنى للعثمان، عن طريق بعض برامج التطوير، والتي تم الإساءة فيها إلى أخلاقيات البحث العلمي ونزاهته وأشارت له مجلة ساينس وكتب عدة مقالات ناقدة وناصحة في هذا الشأن من منسوبي الجامعة لكل من د. محمد الشايع و د. محمد آل الشيخ ود. حمزة المزيني وأشرت إليه في مقال لي بصحيفة الشرق بكل وضوح وذكره د. القنيبط في مقالاته و لقاءاته التلفزيونية. ومن خارج الجامعة الوطني المخلص د. جاسر الحربش والخبير الإقتصادي والأكاديمي المخضرم د. عبدالعزيز داغستاني ومعالي سفيرنا بالأمم المتحدة المهندس عبدالله المعلمي والناقد الاستاذ عابد خزندار، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. (6) تعارض المصالح غير الأخلاقي لمتبرعي الأوقاف، إذ كيف يقبل أن يتبرع رجال أعمال أصحاب عقود فلكية في مشاريع الجامعة بدون أي منافسات !! (العمودي ومجموعة بن لادن أمثلة). فضلاً عن الكلام الدائر والذي ألمح إليه د. القنيـبط في تسهيل قرض بخمسة مليارات ريال للعمودي من الدولة للاستثمار الزراعي خارج المملكة وأنه كان بمشورة من داخل أسوار الجامعة !

يقول أرباب الإعلام وسدنته: إن الفلاش الأول يجلب لك الشهرة، والفلاشات التالية له حتما ستحرقك! وهذا للأسف ما حصل. كانت الشهرة والأضواء للعثمان والجامعة بشكل جنوني وسامج يمُجّه كل عاقل حتى لا يكاد يغيب اسم الجامعة عن الصفحات الأولى للصحف المحلية وكأنك تتحدث عن دولة نفطية أو شركة عملاقة كبرى تُؤثر في داو جونز هبوطا وارتفاعا لا جهة أكاديمية تحترم حدودها وأهدافها.

شخصياً، لم استغرب من الإعفاء، عطفاً على ما جرى ويجري في الجامعة، بل استغربت من تأخره. ولكن ما كان ينبغي أن يكون بتلك الصورة التي خرج بها، حيث كان الأنسب أن يكون بعد تقرير مجلة ساينس في شهر ديسمبر 2011م.

يتفق الكثير من الأكاديميين المتابعين عن قرب لجامعة الملك سعود بأنَّ معالي الدكتور عبدالله العثمان أضاع فرصة ذهبية لأن يكون تكنوقراطياً أكاديمياً فريداً في زمانه لما يملكه من الجرأة في اتخاذ القرار والاستعداد للمجازفة إضافة لدماثة أخلاقه وتواضعه، لو أنه لم يستعجل الوصول لكرسي الوزارة مما إضطره للكذب والتدليس حتى ولو كان بحسن نية.

ختاماً، لعلَّ هذا الإعفاء فيه خير لجامعة الملك سعود وغيرها من الجامعات، للمراجعة والتصحيح وأخذ الدروس والعبر من هذه المزالق الإدارية والأكاديمية والإعلامية. وما حصل في جامعة الملك سعود من أحداث وأخطاء أكاديمية خلال السنوات الخمس الماضية ستؤثر بلا شك في مستقبلها لسنوات عديدة، ولكن بعزيمة وصدق الرجال سيسهل إجتثاث مكامن الخلل وقيادتها للنجاح الحقيقي الخالي من الزيف والكذب والخداع.

خاص لـــ (الهتلان بوست)