لكي لا نصدر لأحفادنا آلام الضمير

آراء

أصبحت قلوب الألمان واليابانيين والأمريكان والإنجليز وبعض الشعوب الأخرى تنوء بثقل الشعور بالذنب والخزي والعار. تسبب الألمان في مقتل أكثر من أربعين مليوناً ليس لهم ذنب سوى أنهم يختلفون عنهم في العرق، وقتل اليابانيون من الصينين ما يقارب نفس العدد بنفس السبب وتجلل الأمريكان على مدى قرون بعار استيراد الأفارقة كما يتم استيراد الحيوانات دون إحساس بالأخوة الإنسانية. مثل ذلك فعل الإنجليز وغيرهم بدرجات متفاوتة. فظاعات التاريخ لا تني تطل برأسها بين فترة وأخرى. تثقل حياة أجيال لم تشهدها ولا تعرف عنها وليست بالنسبة لهم سوى تاريخ لم يكن لهم دور في كتابته. بيد أن الضمير يذكرنا بما نحاول أن ننساه أو نتجاهله ونمضي كأن شيئاً لم يحدث.

من مفاخر الشعوب الإسلامية أنها لم تقم مذابح أو حفلات إذلال كبيرة بين الشعوب التي فتحتها أو تحاربت معها. الإسلام دين منفتح. حتى أشد العنصريين من أبنائه لا يجرؤون على إعلان عنصريتهم أو تفردهم. يموهون تعصبهم وكراهيتهم للآخر بألوان مختلفة من الأعذار هروباً من أن يدينهم دينهم لأنه جالس لهم بالمرصاد. ربما يختارون أقوالاً لفقهاء خارج التاريخ لتبرير أفعالهم كما هو حال قانون تكافؤ النسب القبيح ولكن أياً كانت عنصرية المسلم لا تنفي هذه العنصرية عن الإنسان إنسانيته كما فعلت كثير من الإمبرياليات الغربية والشرقية. وإذا كان الجميع اليوم متفقاً أن العنصرية العرقية قبيحة فالتمييز الديني أو الطائفي قادر على إنشاء عنصرية أشد قبحاً. لك أن تتخيل أن يصل حال التمييز الديني العنصري في الهند أن ثمة طوائف لا تمد يد العون للآخرين حتى في أقصى درجات تألمهم تحت دعوى دينية تقول إن هذا الذي يتألم يدفع ثمن جريمة ارتكبها في حياة أخرى مما يتوجب تركه لمصيره. هذه العنصريات والطائفيات والانغلاق حول الذات تأتي بصورة مخادعة بحيث تتخفى في البداية بصورة دفاعية يصاحبها حملة قوية تهدف إلى تنمية الإحساس بالتهديد والتفوق في نفس الوقت. لأني الأفضل والأنقى فالآخر يتهددني، وهذا الآخر بعد أن كان عدواً واحداً يصبح كل الآخرين. عندئذ لا خيار لنا إلا أن نكون فوق الجميع. هذا هو أساس بناء روح التفوق الديني أو العرقي الذي نسميه الطائفية أو العنصرية.

من يتابع صيرورة خطابات شيوخ الفتنة لن يخطئ الرغبة الجامحة لبناء هذه الروح. لا يقوى إنسان على قطع رقبة إنسان كأنه خروف الأضحية إلا إذا اكتملت واستقرت في ذاته روح التفوق. لا يشعر تجاه أسيره بأي اتصال روحي. طالما استطعنا إنتاج هؤلاء الرجال وشاهدنا أعمالهم في الثورة السورية أو في المستشفى في اليمن وفي الوقت نفسه لم نسمع إدانة صريحة (متألمة) من شيوخ نعرفهم بالاسم ولهم شعبيات بين صغار السن والبسطاء فنحن في الطريق الصريح نحو بناء عنصرية جديدة ستضيف لعار التاريخ فصلاً جديداً ممهوراً باسمنا هذه المرة. يتوجب علينا إنزال أشد أنواع المتابعة والسيطرة على هؤلاء لكي لا نحمل أحفادنا ديون اعتذار عن أعمال قبيحة فعلها أجدادهم.

المصدر: الرياض