لماذا المرأة؟

آراء

المرأة مرآة العالم، ولو صفت زجاجتها، لأصبحت وجوه العالم أصفى من ماء النهر.. المرأة شجرة لو أسقيت بماء المكرمات، لأثمرت وأعطت وأسخت وفاضت بثراء القيم والشيم.. المرأة وهي الوردة، إن ساطتها ألسنة اللهب، ذبلت وتلاشت وفقدت عطرها.

المرأة فراشة، ألوانها من فرح الناس من حولها، فإن عجفت مشاعرهم، واكفهرت وجوههم بهت اللون على جناحيها، وانطفأت وانكفأت، وانسحبت إلى مراحل ما قبل التكوين.

المرأة نهر يحمل كل نفايات العالم، وكل خراب التاريخ، ولا يتلوث، بل يذهب صوب الحقول ليروي ويشفي الظمأ.. المرأة حصن جدرانه من جدائل مشاعر، رتب خصلاتها زمن الفطرة.. المرأة بفطرتها تعلو، وبعفويتها تسمو، وبحريتها تصيغ الحياة من قماشة الحرير، وتجعل فناء العلاقة مع الآخر، معشوشباً زاهياً مزدهراً ثرياً جلياً نقياً، تزينه الابتسامة المشرقة.

المرأة مثل التربة، إن اعتنيت بها واحترمت رملها، أينعت من بين حباتها أغصان وأفنان.. المرأة أحبها نيتشه، فأعطاها كل فخر فلسفته، وعشقها سارتر، فألهمته جل ما قدمه للعالم من فكر، المرأة اصطفاها الأنبياء، لعظمة شأنها وسمو قدرها.

المرأة لو شاخت عروق الحب في الكون، ما شاخ الحب في قلبها، لأنها هي الحب في حد ذاته، لأنها المكان الذي يبزغ فيه شعاع الرحمة، لأنها من أول يوم من ميلاد الكائن الصغير تمنحه النظرة مشفوعة بقبلة، مطوقة بدفق الحنان، وفي سهر الليل تكون المناغاة، وتكون بداية التحليق في فضاء النشوء والارتقاء، تكون بداية التحديق في أفق أبعد من أخمص القدم، وأقرب من نجوم السماء.

ليست المرأة نصف المجتمع، بل من معطف المرأة خرجت كل هذه الفلذات، وترعرعت ونمت، واتسمت بقيم الوجود، فإن صلحت المرأة، ارتدت السماء أبهى حللها، وتزينت الأرض بالسندس والاستبرق، وقد يرى البعض أن الحديث عن المرأة بهذه العبارة إنما هو مبالغة، ولكن من يقرأ التاريخ، ويتأمل في عيني المرأة، يجد أنه لا فرق بين النجمة التي تضيء السماء، وبين عيني المرأة، لا فرق بين تحليق الطير في السماء، وأحلام المرأة في كلتا الحالتين، يكون هناك تفويض للمشاعر، كي تطلق وميضها في الكون، حتى يصبح الوجود نهاراً لا يتلوه ليل.

المرأة بالنسبة للحياة، مثل العلاقة ما بين الرمش والعين مثل العلاقة ما بين الأغصان والطير.. المرأة في الحياة نهر وقدر، وطير وشجر، وشراع يمتد ويمتد، ويطول السفر، لكن تبقى المرأة هي المدى، وهي الامتداد، وهي مداد التاريخ يسرد على صفحاته قصة الانتماء إلى الحياة، بفضل ابتسامة امرأة، ونظرة لا تغشيها غاية بؤس، وحلم أصفى من عيون الطير، وأعذب من أحلام الموجة.. المرأة في المجتمع هي ارتقاء أشعة الشمس إلى أحشاء السماء، من دون شال غيمة رمادية.

المصدر: الاتحاد