لماذا ندفع فاتورة توبتهم؟

آراء

أول تغريدة للرئيس الأميركي السابق، بعد نهاية فترة حكمه كتب فيها للأميركيين: قراءة الرسائل التي تردني يومياً منكم إبان فترة حكمي هي أحب الأشياء إلى قلبي، حوت التغريدة رابطاً لمجلة «نيويورك تايمز» تصف طبيعة تلك الرسائل الواردة، جلّ الرسائل لم تكن طلبات بقدر ما هي مشاهدات يومية، واعترافات أقرب ما تكون إلى طقس الإقرار بالذنب مع قسٍ في غرفة كنسية مغلقة.

طبيعي أن يعيش الإنسان في صحبة الخطيئة، وأن يقترف الذنب تلو الآخر، يعيده ويكرره، أو يأتي بذنب أكبر منه، منا من يتغلب على نفسه فيهذبها ويصلحها، ومنا من يتكيف مع الخطيئة فيضع لها المبررات، إما ليتخلص من ضغطها النفسي عليه، أو ليجد له مساحة قبول عند الآخرين، خصوصاً أن السمة الغالبة في خطاب المجتمع تدور في فلك الفضائل والطهارة والعصمة من الخطأ والزلل، وأجد من الطريف المستحسن أن يشكو الإنسان خطيئته لشخص مقرب من باب الفضفضة لا أكثر.

تجنب الخطأ ومعالجته والتوبة منه كلها أمور شخصية محورها الإنسان نفسه، وأكثر الناس مدعاة للسخرية هم المذنبون الذين ينوون التوبة آجلاً، وأذكر هنا أحد مشاهير الغناء لما سئل عن أمنيته، قال: «أريد الاعتزال والتوبة والتحول إلى داعية»، ولنا مشكلتان مع مثل هؤلاء: الأولى أنهم يصرّحون بنياتهم علانية، ليكسبوا جمهوراً إضافياً سيصف المشهور لاحقاً بعبارة «فيه بذرة خير»، ولو كانوا صادقين لما سوّفوا التوبة، ولا أخرجوا النية من القلب إلى اللسان، المشكلة الثانية هي أن هؤلاء يلعبون دور المشهور الماجن تارة، ودور الواعظ الطاهر تارة أخرى، وسبب هذا الظهور المتأرجح هو فقدانهم روح الفنان الحقيقي.

وأكثر التائبين ثقلاً على النفس أولئك الذين يُحمّلون الآخرين جريرة أخطائهم السابقة، فتسمعهم يصفون المجتمع بالفساد، ثم يشنّون حملات النصح، وكأننا جميعاً تشاركنا في اقتراف الإثم، أو كأن المجتمع ساق المذنب بحبل من رقبته نحو الفجور، والأمثلة كثيرة في هذا الباب تجدونها مسرودة في كتب تحكي قصص العائدين إلى الله، والتي تنتهي عادة بسيل من الإطراء والمديح للتائب، ولا أعرف سر ولع البعض بقراءة كتاب فضائحي عنون بقصص التائبين!

التوبة أمر شخصي، لا تعلن ولا تقام لها احتفالات، والتكفير عن الذنب لا يكون بتقديم الآخرين قرابين، في رأيي الشخصي؛ التائب الصادق هو الذي يسعى إلى الغفران، فيتسامح مع من أوقع بهم الضرر، ثم يخفي استغفاره فيجعله بينه وبين خالقه.

المصدر: الإمارات اليوم