محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

لماذا نكافئ المتأخرين؟!

آراء

كثيرا ما أتساءل: لماذا نكافئ المتأخرين عن المواعيد بانتظارهم، ألا نعاقب بذلك من حضر باكرا؟! هذه التدوينة التي كتبتها في «تويتر» ولاقت تفاعلا ملحوظا، ذكرتني بمؤتمر نفطي واستثماري شهير حضرته في لندن، حينما وقف أمامنا عريف الحفل الإنجليزي وقال بصوت جهور وواثق: «سوف يدخل عليكم من هذا الباب في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا الأمير تشارلز» راعي الحفل. وشدد بصوته على كلمة «في تمام» (Sharply)، ثم قال: «وإذا دخل أرجو من حضراتكم الوقوف مشكورين».

التفتُّ إلى صاحبي مستغربا من ثقة العريف الكبيرة بالدقيقة التي سيدخل فيها عريف القاعة. وبالفعل بعد عشرين دقيقة دخل الأمير حسب الموعد المعلن. وبينما نحن نقف حسب البرتوكول شعرت أنني لا أستجيب للبرتوكول فحسب، بل أقف احتراما لشخص احترم أوقاتنا، وهو ما يعكس الاعتقاد الشائع عن انضباط الإنجليز بمواعيدهم. ومن صور هذا الانضباط الجرس الإنجليزي الشهير الذي يدقه بيده عريف الحفل وهو يقف خارج القاعة إيذانا ببدء جلسة من جلسات منتدى أو مؤتمر.

ومن المفارقة أن ذلك ذكرني أيضا براعي مؤتمر عالمي أقيم في بلد عربي، إذ تأخر لمدة ساعتين عن افتتاح المؤتمر الذي كان يحضره كبار رؤساء الشركات في العالم والوزراء وكبار الضيوف ووسائل الإعلام. ولما سألت المنظمين: أخشى أن راعي الحفل قد حدث له مكروه! فضحك وقال: لا هو سيصل بعد ساعة ونصف الساعة إلى ساعتين كالعادة!

مشكلتنا مع الوقت ليست في النصائح، والقيم فنحن من نردد دوما: «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»، وأن «الوقت مُعلم من لا مُعلم له»، لكننا فعليا لو شعرنا بقيمة الوقت الحقيقية وبمقدار الألم الذي يسببه تأخرنا على الآخرين فلن نتأخر ثانية من دون سبب وجيه. ولو تخيلنا الوقت كمبلغ مادي يتناقص كلما أهدرنا جزءا من وقتنا من دون مبرر فلن نضيع ثانية ثمينة منه.

تبرز قيمة الوقت حينما يغرق الإنسان في شواغل كثيرة من رأسه حتى أخمص قدميه، حينها لا يفرط في لحظة واحدة من وقته الثمين. وسنشعر بأهمية الوقت لحظة وصولنا إلى محطة قطار أو مطار لنكتشف أن الطائرة قد أقلعت من دوننا. ولن تقوم لنا قائمة ما دمنا نساوي بين المتأخرين والمنضبطين في مواعيدهم. فكم من موظف مخلص يقدم عصارة جهوده منذ الدقيقة الأولى حتى لحظة انصرافه من العمل ثم يفاجأ أن زميله المتراخي والكسول ينال تقدير «امتياز» مثله، وكأنها كعكة يجب أن توزع بالتساوي!

هناك من يعمل بجد واجتهاد في عالمنا العربي، ويسابق عقارب الساعة، لأنه يدرك قيمة الوقت، وهو ما يبدو جليا من حجم نجاحاته. وجميعنا متساوون فيما نملك من 24 ساعة، لكننا نختلف حينما يتعلق الأمر بحسن استغلالها. ولذا تجد بيننا متقدمين ومتفوقين وناجحين وآخرين يجرون أذيال الخيبة في آخر الركب.

المصدر: الشرق الأوسط