محمد المسعودي
محمد المسعودي
- ماجستير التنمية البشرية والدراسات التربوية النفسية - Howard University - مدرب معتمد للاستراتيجيات التربوية الحديثة والتنمية البشرية. - عمل في وزارة التربية والتعليم ثم انتقل للعمل تربوياً في واشنطن، حصل على جائزة المربي المتميز من الجمعية الوطنية لمدارس الثانوية الأمريكية في مجلس الشيوخ الأمريكي، ثم نائباً لرئيس تحرير مجلة (المبتعث).

لمحة من إجابات طلابنا يا سمو الوزير

آراء

في مادة “العلوم” لا تستغرب أن تجد أن مجرى البول أصبح في القلب، وأن ضعف الغطاء النباتي بالقرب من البحار سببه خروج الأسماك ليلاً لتأكله، أما في مواد “الدين” فالضفدع يعد من المشروبات المحرمة، والسر في إخفاء ليلة القدر هو الخوف من قريش! أما شروط صلح الحديبية فهي “ألاّ يتهاوشون مرة أخرى”!، وتعريف القتل العمد هو القتل بـ(العامود)، سواء من الخشب أو الحديد، وقتل الخطأ هو أن يقصد قتل رجل فيقتل آخر! وفي “الجغرافيا” تجد أن شروق الشمس على الرياض قبل مكة؛ بسبب أن الرياض هي عاصمة المملكة! وفي “النحو” يعرف النداء فيها بأن تقول لواحد: “تعال”!.

ما سبق إجابات “درام_كوميدية” وضعها بعض طلابنا في أوراق إجابة الاختبارات وبارتجال واضح، تناقلته الصحف وقنوات التواصل الاجتماعي وأجهزة المعلمين والطلاب الهاتفية في مشهد مكرور كل موسم “اختباري” خصب لعرض نماذج متنوعة من غرائب ونوادر التعليقات المدونة على أوراق الإجابات بمنأى عن مادة الاختبار لتسلك طرقاً مختلفة تضجراً من صعوبة أسئلة الاختبار، وأخرى يحفها طابع التودد والاستعطاف، وثالثة يائسة من تجاوز الامتحان، أما المنعطف الأهم فيسلك جانباً “درام_كوميدي” يجعلك تبكي فجيعة مما وصلت إليه الإجابات كدليل على مخرجات تعليمنا المستنزف، بدءاً من الاستهتار بالتعليم، وخذلانٍ لطموح الغد، وأخطاء نحو تعليمنا وطرقه ومناهجه حتى قياسه بتلك الورقة البيضاء “الاختبارات” التي جعلنا منها قصةً تتحكم في مستقبل أبنائنا وعقولهم!.

تؤلمنا كثيراً بعض النماذج المرصودة المضحكة المبكية، وما نشر في الصحف من إجابات “غريبة” وقصاصات وأبيات غزل ورجاء للمعلمين ومصححي الإجابات.. جمعت مواضيع الكوميدياء السوداء على صفحات أوراق إجابات الطلاب يجعلنا نستنفر تخطياً نحو السؤال الأكبر: لماذا وصل حال تعليمنا وطلابنا لهذه المراحل؟!

ومن نفس المحور، ما زلت أذكر موقفاً قبل عامين، عندما عرض رئيس المركز الوطني للقياس والتقويم على أعضاء لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي في مجلس الشورى، ورقةً لطالبٍ متخرج من المرحلة الثانوية بنسبة مئوية كاملة، بينما كانت ورقة إجابته في اختبار القياس مليئة بالأخطاء الإملائية الفادحة في أسطرٍ قليلة! فكانت ضحكات أعضاء مجلس الشورى مجلجلة مليئاً، ونحن عبر ضحكاتهم وانطلاقاً من الإجابات أعلاه.. نجد القاسم المشترك “ضحكٌ” غير مبرر، بل هو “ضحكٌ” أشبه بالبكاء يُدمي القلوب والمستقبل وأنكى عبرة.. فهل نضحك.. لأن مخرجات تعليمنا وصلت لهذه النكسة؟ أم من الاستهتار بالتعليم برمته في مجتمع أصبح أبناؤه يتفاخرون بإجاباتهم وكتاباتهم من أجل عيون قنوات التواصل الاجتماعي والشهرة والصلافة..

وفي ظل المعطيات السابقة وما وصل إليه تعليمنا، ونشرنا عنه جهلنا بهذه الطرق الموجعة، أعتقد وكالعادة أن من واجب وزارة التربية والتعليم “الانتفاض” لدراسة هذه الظواهر وتجويد مخرجات التعليم، وإعادة النظر بطرق علمية بحثية في البيئات التربوية الطاردة لمعالجة تطبيقية لا “بخطط مدروسة” حفظناها عن ظهر غيب قد تلحق بمشروع “تطوير” ومخرجاته.. ولنسأل أنفسنا ما الذي حدا بطلابنا جرأةً واستهتاراً نحو العملية التعليمية بتلك الممارسات؟ وكيف أصبح المعلم شريكاً في نشر مقاطع وصور للإجابات متعدياً على مهنيته وحفظ حقوق طلابه؟ ولأنني لست مقتنعاً بالاختبارات كأداة وحيدة فلن أذكر.. من الذي أضاع هيبتها وأوراق الإجابات؟ أما الحلقة الأقوى.. فمتى تكون مدارسنا بيئة جاذبة في ظل ضبابية قرارات وتعاميم سابقة متهالكة جعلت من تعليمنا بيئة طاردة؟

ثقتنا في سمو وزير التربية والتعليم الأمير خالد الفيصل كبيرة في إعادة ترتيب “مجلدات” ضخمة تنتظره بالتغيير والتطوير في تعليمنا ومخرجاته، ورغم “ثقل التركة” ومسؤولياتها لكنه يبقى أهلاً لها بإذن الله.

المصدر: الوطن أون لاين