علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

لن نقول: لكم حجكم ولنا حجنا

آراء

أدى المسلمون مناسك الحج هذا العام دون حوادث تذكر، الأمر الذي شكل رداً على كل الأكاذيب والافتراءات التي وجهت للمملكة العربية السعودية هذا العام، قبيل الحج، من الحاسدين والحاقدين الذين أرادوا التشكيك في قدرة المملكة على القيام بخدمة حجاج بيت الله الحرام.

هذا ما أكده صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة، في نهاية موسم الحج يوم الأربعاء الماضي، داعياً القادة والعلماء المسلمين لمحاربة الطائفية والتمزق المذهبي بين المسلمين.

الحاقدون والحاسدون الذين قصدهم أمير منطقة مكة المكرمة، تصدّرهم المسؤولون الإيرانيون، وعلى رأسهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذين وجهوا انتقادات حادة للحكومة السعودية، متهمين إياها بالتقصير في خدمة الحجاج، وإنقاذ المصابين في حادث التدافع الذي وقع العام الماضي في منى، وذهب ضحيته زهاء 2300 حاج، بينهم 464 إيرانياً، حيث دعا المرشد الأعلى، العالم الإسلامي إلى إعادة النظر في الإدارة السعودية للحرمين الشريفين والحج، في محاولة لتسييس هذه الشعيرة، وهو ما رفضته السعودية، واعتبرته تدخلاً في شؤونها الداخلية، واستخداماً لهذه الفريضة في خدمة أهداف وشعارات سياسية، ليس لها أي علاقة بهذه الرحلة الإيمانية.

غاب الإيرانيون عن مناسك الحج هذا العام، بقرار من السلطات الإيرانية، وذلك بعد رفض هذه السلطات، التوقيع على مذكرة التفاهم التي تقدمها المملكة كل عام، وتُوقِّع عليها عشرات الدول قبل موسم الحج، لتوضيح الإجراءات المطلوبة، بهدف سلامة وأمن الحجاج، حيث طالبت إيران بحق إجراء شبه مظاهرات، وأن يكون لها مزايا تخرج عن إطار التنظيم العادي، وقالت السعودية إن هذه الخطوات ستخلق فوضى خلال فترة الحج، وهذا أمر غير مقبول، وفق ما صرح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، محملاً إيران مسؤولية حرمان الإيرانيين من الحج هذا العام، فهل كان غياب الإيرانيين عن الحج سبباً رئيساً لمرور حج هذا العام دون حوادث تذكر، أم أن غيابهم كان واحداً من الأسباب التي أدت إلى هذه النتيجة التي كان الجميع سعداء بها، عدا المسؤولين الإيرانيين، بطبيعة الحال، الذين تمنوا شيئاً آخر؟.

لا نستطيع أن نحمِّل جميع الحجاج الإيرانيين مسؤولية الحوادث التي حدثت خلال الأعوام الماضية، لكننا لا نعفي السلطات الإيرانية من هذه مسؤولية، فأصابع مسؤوليها وضباطها المندسين بين الحجاج واضحة وجلية، وإصرارها على مطالبها الغريبة، لا يفهم منه سوى أنها تريد استغلال موسم الحج لإشاعة الفوضى بين الحجاج، وتحركها هذا دليل واضح على أنها تقوم بتسييس هذه الشعيرة، والمتاجرة بالحج لصالح أهداف لا علاقة لها بالدين.

وهو ما حدث فعلاً هذا العام، عندما أفتى المرشد الأعلى بجواز الحج إلى المراقد الشيعية في مدينتي النجف وكربلاء، لأداء ما أطلق عليه «زيارة عرفة»، في رد عصبي على موقف المملكة العربية السعودية من المطالب الإيرانية، وتعويضاً لمنع السلطات الإيرانية مواطنيها من أداء فريضة الحج هذا العام في مكة المكرمة.

وهو رد خانه التوفيق من الناحية السياسية والدينية، لأن للحج زماناً ومكاناً معينين شرعاً، وأي زيارة خارج إطار الزمان والمكان المحددين شرعاً لفريضة الحج، لا يسقط الفريضة عن المسلم، ولا يعد من شعائرها، مهما أفتى الناس، ومهما زين لهذه الزيارة المغرضون، كما اتفق علماء الأمة، وكما جاء في بيان هيئة علماء الأزهر الشريف، رداً على دعوة خامنئي، المسلمين في جميع أنحاء العالم، لأداء فريضة الحج في العراق، وهي الدعوة التي استجاب لها نحو مليون إيراني، دخلوا الأراضي العراقية لزيارة المرقد الذي يعتقد الشيعة أن الإمام الحسين بن علي دُفِن فيه بمدينة كربلاء، في الوقت الذي قال فيه عادل الموسوي، مسؤول الزيارات الدينية في كربلاء، إن زيارة الإمام الحسين في هذا اليوم، تعادل 1000 حجة، واستمعنا إلى فتاوى غريبة من بعض مشايخ النظام الإيراني، لا نعتقد أن عاقلاً يصدقها، أو أن الإخوة الشيعة المستنيرين يقرونها.

واضح أن السلطات الإيرانية تسعى إلى شق صف المسلمين بالعمل على تغيير قبلتهم، وفرض أماكن حج بديلة عن تلك التي فرضها الله تعالى، ونحن لا نستطيع تحميل كل الإخوة الشيعة مسؤولية هذا، كما أننا لا نستطيع تحميل الشعب الإيراني كله المسؤولية، رغم العدد الكبير من الإيرانيين الذين استجابوا لدعوة المرشد الأعلى، وتوجهوا لزيارة المراقد في العراق، حيث من الواضح أن السلطات الإيرانية تستغل الدين لأهداف سياسية، ليست خافية على أحد، وما رفضها التوقيع على مذكرة التفاهم مع المملكة العربية السعودية، وإصرارها على فرض مطالبها، إلا دليل على تسييسها لهذه الشعيرة الدينية.

ومثلما تستغل السلطات الإيرانية الدين لأهداف سياسية، فإنها تستغله أيضاً لأهداف اقتصادية، وذلك من خلال سعيها إلى السيطرة اقتصادياً على المزارات والأماكن المقدسة لدى الشيعة في العراق، حيث تهيمن شركات إيرانية على المرافق السياحية والمزارات الدينية هناك.

لن نقول للإخوة الشيعة: «لكم حجكم ولنا حجنا»، رغم أن السلطات الإيرانية تريد أن توصلنا إلى هذه النقطة من القطيعة بتصرفاتها هذه، فليس كل الإخوة الشيعة هم ملالي إيران، وليس كل الإيرانيين هم الطغمة الحاكمة في طهران، فهناك المخدوعون، وهناك الجاهلون، وهناك المغلوبون على أمرهم.

كل ما نقوله، هو أننا نرفض أن يتحول الحج إلى وسيلة لتحقيق أهداف سياسية، أو تغذية خلافات مذهبية، وسيبقى الحرمان الشريفان مزاراً لكل أفراد الأمة وطوائفها، كما ستبقى أرض المملكة عصية على كل الطامعين والحاقدين والحاسدين.

المصدر: البيان