محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

ليتني كنت غزالا!

آراء

يروى أن كلبا قال لغزال: ما لي لا ألحقك وأنا من تعرف في العَدو والقوة؟ فقال له الغزال: لأنك تعدو لسيدك وأنا أعدو لنفسي. هذه القصة الجميلة التي رواها الشاعر الهندي الشهير أبو الحسن الندوي في كتابه «مختارات من أدب العرب» تلخص لنا حال الكثيرين في زماننا ممن يقضون معظم يومهم لاهثين وراء أعمال تهم الآخرين ولا تعكس بالضرورة قدراتهم الحقيقية.

ويصف أبو الحسن هؤلاء بأنهم يتحدثون ويكتبون ويؤدون أعمالا إرضاء لزعيم أو وزير أو صديق أو حبا في الظهور: «وهذه كلها دوافع سطحية لا تمنح أعمالهم القوة والروح ولا تسبغ عليها لباس البقاء والخلود»، بل يعتبر أن الفارق بين هؤلاء ومن يؤدي عملا من أعماق قلبه وبكامل جوارحه بأنه «كالفرق بين الصورة والإنسان وكالفرق بين النائحة والثكلى». وربما هذا ما دفعه إلى أن يصف هؤلاء بأنهم كالممثلين الذين يؤدون دورا لا يعكس بالضرورة شخصياتهم الحقيقية.

وحينما يتأمل المرء السلوكيات الشائعة في الأمم المتحضرة يجد أن كثيرا من الناس يختار عملا يعكس شغفه ويتماشى مع قدراته الحقيقية وهذا ما يجعله لا يكل ولا يمل مهما كانت عوارض الطريق. الأمر الذي يدفعنا للقول بأن القيادي الفطن هو من يضع الشخص المناسب في المكان المناسب حتى يفجر الجميع طاقاته بإتقان وتفان ويصبح كالغزال في رشاقة حركته وبلوغه لأهدافه.

وكثيرا ما أتألم حينما أشاهد موظف خدمة عملاء عبوسا طوال اليوم ليس لخلاف عابر مع عميل بل لأنه لم يختر الوظيفة المناسبة له ولا يريد أن يعترف بذلك، فندفع نحن المراجعين ثمن سلوكه! ولذا أعجبني الإعلان الرمضاني لشركة زين للاتصالات، والذي يزعمون فيه أنهم يعينون من لديهم شغف العمل passion، لخدمة العملاء بشكل أفضل، وهذا هو المنهج الصحيح في توظيف الكفاءات.

فمثل الموظفين في المنظمة كمثل الآلة إن لم توضع كل قطعة في مكانها الصحيح انعكس ذلك سلبا على هدير الآلة وأدائها. ولحسن الحظ فإن الإنسان مُخير وليس مُسيرا، فله أن يكون غزالا يتنقل في حياته بخفة ورشاقة تعكس قدراته الحقيقية أو أن يكون إمعة يفعل ما يفعله غيره من دون تبصر بقدراته الكامنة!

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط