عبده خال
عبده خال
كاتب و روائي سعودي

ليلة القبض على المتحذلقين

آراء

حين كانت ثورات الخريف العربي تتوالى وتُسقط دولاً عربية رئيسة ومركزية، وكان مخطط الشرق الأوسط الجديد يمتد كسفرة طعام جهزت بالمقبلات والأطباق الرئيسة ليحف بالمائدة كل من شارك في التخطيط والتنفيذ في دعوة حميمة للإجهاز على من تبقى صامداً أمام ويلات الدمار العربي، وكانت دول الخليج هي الموعودة بذلك التقويض وعلى رأس هذه القائمة السعودية.

وفي ذلك الدخان تم اكتشاف خلايا إخوانية تسعى لإسقاط الإمارات كدولة نفطية يمكن بين عشية وضحاها أن تكون ثرواتها ممولاً لمشروع ما يسمى (الخلافة الإسلامية)، ولم تكن السعودية بعيدة عن عبث جماعة الإخوان إذ كان أفرادها وأعضاؤها يجتهدون لإثارة الفوضى الخلاقة وإحداث تصدع في البنية الوطنية، ولأن السياسة هي لحظة زمنية خاطفة تستوجب اتخاذ القرار في حينه فقد التقت السعودية والإمارات في انتشال مصر من براثن الإخوان واكتسابها كقوة ثالثة لمجابهة السقوط الذي عبر الدول العربية الرئيسة وحولها إلى دول فاشلة لا يمكن لها أن تخرج من أتون المعارك والقتل المتبادل..

والتقاء السعودية والإمارات كقوتين وقفتا ضد استكمال الفساد التثويري لم يكن التقاءً مرحلياً بل استكمالاً لعلاقات أخوية قديمة أسستها القواسم المشتركة بين البلدين، ومنذ أن نهض الشيخ زايد بلم شمل المشايخ في دولة واحدة كانت خطوة توحيدية باركتها السعودية والتحم البلدان في مصير واحد، وانصهرا في القضايا الأمنية والاقتصادية والسياسية كجناحي طائر كل منها يخفق للتحليق نحو الأعلى..

ولأن السعودية والإمارات كانتا القوتين اللتين استرجعتا رباطة الجأش في زمن السقوط، أرادت القوة المندحرة من الإخوان وبقية مخططي الفوضى الخلاقة الضرب لقطع العلاقة المتينة التي كانت سبباً جوهرياً لبقاء دول الخليج صامدة..

ولأن الحياة السياسية متقلبة تمضي في تقارب وتنافر ومواءمة بين الأهداف الإستراتيجية والمصالح بعيدة المدى والعمل على توازن القوى، وتوزيع الأدوار في جني المصالح فإن الدولتين الشقيقتين تسعيان لمواصلة تحقيق أهدافهما المشتركة التي لا تنفصم بل تتضافر وتتعاضد على جميع المستويات..

والآن يتحذلق محللو الفوضى الخلاقة عما يحدث من تغيرات سياسية لإدخال العلاقة الثنائية السعودية – الإماراتية تحت السندان، وتبحث مطارقهم الغليظة التي أوهت قوى بلدان عربية عديدة عن صيد ثمين كالعلاقة الثنائية السعودية الإماراتية، وعلينا ألاّ ننسى أن دول الخريف العربي لا تزال تنوء بحمل كل الدمار الذي مر بها، والعاقل من يتعظ بما هو حادث..

ولكي تكون ثنائية العلاقة السعودية والإماراتية في قوتها المنشودة عليهما توزيع الأدوار بين القوى الأخرى الساعية إلى فصل العرى الوثيقة بين الدولتين، إذ يمكن لكل منهما العمل لصالح الأخرى، وإذا فرضت المصلحة السياسية تقارب السعودية مع دولة تتنافر مع الإمارات فإن السعودية سوف تعمل من أجل مصالح الإمارات والعكس صحيح.. وهما بهذه الثنائية يحميان وجودهما وأهدافهما المشتركة… ولا أحد ينكر وجود قوى إقليمية تتصارع من أجل مصالحها، ومن الأهمية بمكان أن تظل السعودية والإمارات يمثلان قوة إقليمية مشتركة ومتحدة.

المصدر: عكاظ