أحمد الحناكي
أحمد الحناكي
كاتب في صحيفة الحياة اللندنية

ليلة بكينا شهداءنا وحسن!

آراء

يصر الفنان الكبير ناصر القصبي، والمبدع خلف الحربي (مؤلف ومشرف عام)، والمخرج أوس الشرقي، وزملاؤهم في مسلسل «سيلفي2» في قناة «إم بي سي» على التألق ومنافسة أنفسهم للعام الثاني.

قبل أيام ودّعنا بدموع الحزن حسن الحارثي إثر نوبة قلبية مفاجئة، ليخسر الوطن أحد أبنائه المخلصين، وإن كانت الأوطان عموماً غنية بفلذات أكبادها نساءً ورجالاً.

في العام الماضي كنا نعرف الراحل الكبير الدكتور عبدالرحمن الوابلي ومن بعد وفاته أصبحنا نعرف مواهب أخرى علمت في ما بعد، وأحدهم الراحل الجميل حسن الحارثي. ولا ننسى الجنود المجهولين من معد أو ممثل أو منتج أو مصور أو غيرهم في هذا المسلسل.

المسلسل أصبح سمة بارزة في الشارع السعودي أو الخليجي، وغدا نقله هموم المجتمع السعودي ذا تأثير معتبر ومميز، وأراهن أن كل مسؤول سعودي يشاهد المسلسل الذي تحسب له القطاعات الحكومية ألف حساب بما يحتويه من نقد بناء وقوي.

كان القصبي نبهنا قبل الحلقة عن شهداء الوطن من أبطالنا البواسل أنها من كتابة الراحل الجميل حسن الحارثي. لذا، كانت الرغبة في مشاهدتها مضاعفة؛ كونه غادرنا قبل أن يرى ما خطه يراعه -رحمه الله-.

للتذكير، كانت الحلقة عن شابين أخوين أحدهما وهو الأكبر ممن لهم الشرف بحماية الوطن وأبنائه بعمله في قطاع الأمن برتبة متقدمة، بينما الآخر إرهابي، فكره مستلب للمتطرفين الذين يتعطشون للسلطة ويريدون تمزيق الوطن في هدف الوصول لها.

منذ بداية الحلقة وأنفاسنا مشدودة، خصوصاً مع التناغم الكبير بين الممثلين من دون استثناء، وأشيد بالذات بالفنانة الكبيرة مريم الغامدي، كم أبكتني في دورها، وأظن أن المخرج كان موفقاً عندما لم يظهر رد فعلها في نهاية الحلقة، فماذا ستصبح يا ترى؟ كارثة قليل في وصف ما تمر به وهي تفقد فلذتي كبدها في لحظة واحدة، ويكون القاتل الأثيم هو أحدهما.

يثبت أبوراكان (ناصر القصبي) شئنا أم أبينا أنه رقم صعب ومواز للعمالقة على المستوى العربي كوميدياً كان أم تراجيدياً، فدور الأب المكلوم وصراع النفس الذي يدور في مخيلته كان طاغياً في ملامحه، وتعاطفنا معه بشدة وبكينا لبكائه، ولم نصدق أن هذا هو نفسه الذي كان ولا يزال ينتزع منا ضحكاتنا حتى الثمالة.

عبدالإله السناني ذلك الفنان الكبير بطل لكل الأدوار، وأجاد دور الخال الذي زوج ابنته لابن أخته (الإرهابي) مع معرفته بماضيه المشين، إلا أنه توقع تغييره بعد مركز المناصحة الذي أقامته وزارة الداخلية لكل من يمضي محكوميته وينهيها. العميد الذي أدى دوره الممثل عبدالعزيز السكيرين كان عميداً في أدائه وأعجبني الحوار بينه وبين القصبي في أهمية الدور المناط بالعائلة بعد خروج المُناصَحين – بضم الميم – من السجن.

كنا نتمنى بحق ونحن نشاهد الإرهابي يتسلل إلى المسجد متنكراً بملابس عامل النظافة ثم تفجيره لنفسه مع مجموعة الشهداء ألا ينجح، مع أننا كنا نعرف النتيجة مسبقاً، إلا أنه فعلها نتيجة غسل الدماغ الفكري، وتغييب العقل الذي صور له أنه بعمله يتقرب إلى الله، وهو إلى الشيطان أقرب.

لست متأكداً من أن أحداث الحلقة حقيقية في أن التفجير أودى بحياة الأخوين سوياً، لكن ما أنا متأكد منه هو أن الإرهابي عموماً ككل الإرهابيين شخص متخلف وجاهل وعديم الإحساس وخال من العاطفة، ولا يعني له شيئاً أن يكون أخوه أو أبوه أو أمه يتعرضون لخطر بسببه. لحظة التفجير كانت ممزقة لقلوبنا، ومدمية لأرواحنا وآمالنا، ومؤلمة لكل إنسان، فقد تذكرنا شهداءنا وبكيناهم، وتذكرنا أن الكاتب الجميل حسن الحارثي رحل قبل أيام إلى الأبد فبكيناه، والحلقة أتت اسماً على مسمى «حسرة وطن وحسرة على حسن».

المصدر: الحياة