ما لا تراه!

آراء

ليلة البارحة، هجمت عليّ أعاصير «الصداع» من كل جهة. ابتأست. تمنيَّت لو أن الصداع تقدّم أو تأخَّر ليلة واحدة. فقد كنت على موعد عشاء مع أصدقاء افتقدت جمعتهم منذ أشهر. وبعد جرعة من الأدوية، اختلط فيها «البنادول» بـ«الزنجبيل»، غبت في نومة عميقة كأن «الصداع» تآمر لجري نحوها.

استيقظت وكأنها ولادة جديدة. لكأنني رأيت ما لم أكن أراه خلال الأشهر القليلة الماضية. كنت وحيداً أصارع الأحلام والضغوط والآمال التي لم تتحقق. تضيق بنا الدنيا حينما نسجن أنفسنا في همومنا. أو حينما نظن أن للضوء نافذة واحدة. وحينما استيقظت تذكّرت أن في الحياة ما لايُقَّدر بثمن.

هل لا بد من ساعات «صداع» قصيرة كي نتذكر أن الحياة جميلة بالصحة والتفاؤل وأن للضوء أكثر من نافذة؟ أم هي طبيعة إنسانية أن ندرك قيمة الأشياء لحظة فقدها؟ كثيراً ما نحتاج لما يذكرنا بقيمة ما نملكه ولا ندركه. وربما نحتاج لبعض التجارب المؤلمة لتذكيرنا ألا نظن أن ما عندنا، من مال أو صحة أو جاه، ملك أزلي لا يمكن خسارته.

إذن لا تبتئس إن حاصرتك أعاصير العوز والضيق. ولا تيأس إن طرقت أبواباً حسبتها «على مصراعيها» فوجدتها مغلقة يتجاهل من خلفها نداءاتك. ولا تكتئب إن ضاقت بك السبل وكدت تصدق أن النفق لن يقودك إلى نقطة ضوء. ولا تأسف على فرصة تكاد تلمسها فطارت من بين يديك مثل لمح البصر. تلك رسائل ثمينة مهداة إليك. اقرأها جيداً وسترى ما كنت لا تراه.

لقهوة هذا الصباح طعم مختلف. ولشاطئ «الجميرة» اليوم زرقة كأني لم أرها من قبل. ولماذا تطربني ألحان«أبو نورة»هذا الصباح وأنا لم أطرب لها منذ زمن؟ أين كنت.. أو أين كان؟

نسافر أحياناً ونعود ونحن لم نغادر المكان!
أهلاً بعودتك!

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٦٠) صفحة (٣٦) بتاريخ (١٢-٠٥-٢٠١٢)