محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

متاهة الرأي

آراء

معظم وجهات نظر الناس هي خليط بين الرأي والحقيقة، وعدم إدراك الفارق بينهما يدخلنا في معمعة الخلافات ومتاهاتها، فحينما أقول مثلاً، «ثمرة الجوافة لذيذة»، هو رأي بحت وبطبيعته قابل للاختلاف، وأحياناً «الخلاف» الحاد في موضوعات شائكة.

وعكس ذلك حينما أقول إن «الجوافة من ثمار الفاكهة». هذه الجملة هي حقيقة محضة لا ينكرها إلا مكابر.

وإدراك الفارق بين الحقيقة والرأي، يجعلنا نكشف من يتعمد إثارة الجدل حول حقائق مجردة، خصوصاً أن الحقيقة أمر موضوعي بطبيعته ويمكن التأكد منه بالعودة مثلاً إلى قاموس وغيره، لكن الرأي «حمّال أوجه»، يمكن أن يكون أحياناً غير موضوعي ويصعب التأكد منه، لأن لكل شخص رأي.

الأمر الوحيد الذي نستطيع التأكد منه في الرأي هو التأكد من هو قائله، وهذا لا يضيف شيئاً جديداً.

ويمكن بسهولة اكتشاف عبارات الرأي من الكلمات المستخدمة في ثناياها، وهي منحازة بطبيعتها، مثل، أحب، أكره، أفضل، أختار، جميل، قبيح، ممتع، ممل، غبي، عظيم، عجيب وما شابه، بينما قد تحتوي عبارات الحقائق على كلمات، مثل «ذكرت» الإحصاءات كذا.

وهناك بعض الكلمات التي من شأنها أن تحسّن الرأي أو تجرده من المبالغات مثل: يبدو، أعتقد، أحياناً، أتوقع ربما وغيرها. هذه الكلمات مهمة، حتى لا تقدم بعض الآراء على أنها حقيقة حاسمة لا تقبل النقاش.

ومن اللافت أن بعض كلمات أو عبارات الرأي، تغلف بصيغة «أمر»، كأن يقول مدير لمرؤوسيه «يجب» أو «ينبغي» أن تفعل كذا أو «لا» تفعل كذا، لكننا في بعض الأحيان نضطر للاستجابة، خصوصاً إذا كان أمراً إدارياً، أو صادراً عن الوالدين، فتأتي استجابتنا من باب البرّ بهما.

والملاحظ أن بعض العبارات هي خليط بين الرأي والحقيقة، كأن يقول شخص مثلاً: «رغم حصول الفريق الفلاني على كأس التفوق، فإن أداءه كان دون المستوى، في رأيي». أو نقول مثلاً «صحيح أن فلان كان من أوائل الطلبة، لكن مستواه في العمل ضعيف جداً».

نلاحظ هنا أن الشقّ الأول يستند إلى حقيقة لا مراء فيها (نيل الكأس)، بينما يظهر رأي قائل العبارة في الشطر الثاني.

ولا بأس أن يُبنى الرأي على حقائق، لتجعل حججنا دامغة،

ذلك أن بعض المتحاورين أذكياء وموضوعيون، لأنهم يستندون في آرائهم إلى حقائق دامغة، فترجح كفة رأيهم على حساب آخرين لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن طرح موضوعي.

وما أحوجنا إلى الموضوعية في عصر تكالبت علينا فيه التفاهات والسطحية التي لم تعد تحترم الفرد والشعوب بأسرها.

المصدر: البيان