عائشة الجناحي
عائشة الجناحي
كاتبة إماراتية

متلازمة تستحق الاحتواء

آراء

مما لا شك فيه أن الوالدين يصابان بصدمة أو عدم تقبل الخبر حين يتم تشخيص الطفل بمتلازمة داون وكأنها صفعة مؤلمة لكيانهما تنسف الآمال وتشكل مأساة يصعب التعايش معها. فإذا كانت تربية الأبناء صعبة وتحتاج إلى جهد وصبر، فتربية الطفل المعاق أكثر صعوبة. لكن إذا تم التغلب على صدمة الخبر وبدأ الطفل يكبر فقد تتلاشى مشاعر الخوف عند البعض ويصبح لوجود هذا الابن طعم آخر.

متلازمة داون هي مجموعة من الصفات النفسية والجسدية تنتج بسبب مشكلة في الجينات والتي تحدث في مرحلة ما قبل الولادة، وأغلبية الأطفال الذين يعانون من هذا المرض يتميزون بضعف في العضلات ونسبة الذكاء ومشاكل في القلب والأمعاء والتنفس وتتراوح أعراضها بين معتدلة إلى حادة، وتشخيص الأطفال يختلف بناء على حدة الأعراض. لم يثبت وجود علاج لهذا المرض ولكن بالتشخيص المبكر ومتابعة حالة الطفل باستمرار تكون معظم الأمراض المرتبطة بهذا المرض يمكن معالجتها.

نجاح تربية أي طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعتمد على ردة فعل الوالدين وكيفية تقبلهما للخبر، والذي يكمن في رسم صورة وخطة واضحة للمستقبل. البعض يصدم من الخبر، لكن تتبدد مشاعر الحزن إلى مشاعر الرضى بقضاء الله وقدره، والبعض الآخر يتفاجأ من الخبر فتتكون مشاعر اللامبالاة فيتم معاملة هذا الطفل بقسوة وكأنه حمل ثقيل على كاهل الأسرة، فيحرم من الاهتمام ويحرم من دمجه مع الآخرين، وقد يترك وحيداً دون اللعب أو الحوار معه، وقد يتم عزله في غرفة خاصة من غير مشاركته في الحياة اليومية، وبالأخص في المناسبات وزيارة الأقارب وكأن إعاقته كانت باختياره.

ردة فعل الأسرة تختلف حسب العوامل الاجتماعية والمادية، أو حسب الطريقة التي تم فيها تلقي الخبر فتنتج ردود أفعال مختلفة إما أن تكون إيجابية بتقبل الوضع والتكيف معه، أو الرفض والشعور بالحسرة والذي يكون له دور كبير في توفير أو حرمان الطفل من الرعاية الطبية التي يحتاجها.

فكلمات إيجابية تخرج من صميم قلب أم أحمد كردة فعل لتلقيها تشخيص الأطباء المؤلم «سأظل أبث الفرح في قلب ابني حتى آخر يوم في حياته، فإن كان سيعيش خمسة عشر عاماً كما يقول الأطباء فسأجعلها الأروع قبل أن يفارقني ليذهب إلى الرفيق الأعلى».

أحمد من ذوي متلازمة داون أكد الأطباء بأنه يعاني من مشاكل كثيرة في القلب، وأنه لن يطول عمره في هذه الحياة. الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، قدرها وحددها، فلا يزاد فيها ولا ينقص منها، قال تعالى: {وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا}(المنافقون: 11). هذه الأم لم تقنط من رحمة الله، وكان هدفها في الحياة تربية هذا الطفل الذي هو بأمَّس الحاجة لرعايتها واهتمامها والجدير بالذكر هو اهتمام أخته التي تلازمه بشكل دائم لحبها لأخيها أحمد الذي تعتبره هبة من الخالق.

«يتحدد كل شيء فينا منذ الطفولة، لسنا نحن من يقول الكلمات… الكلمات هي التي تقولنا» – ويتولد جومبروفيز.

تغريدة يرسلها أحمد على موقع تويتر من خلال أخته التي يصفها بالقلب، فهي التي تترجم حروفه بأسلوبها الخاص وترسلها على حسابه في موقع تويتر، فهو لا يجيد الكتابة وأكثر كلامه غير مفهوم فيتم إرسال تغريدة يملؤها حزن داخلي دفين «أتعلمون ما المُغضب حقاً؟؟ أن هناك الكثير ممن يظنون أنني لا أستحق العناء الذي تبذلُه أمي»، فيرد عليه أحدهم للتخفيف عنه بأن هؤلاء الأشخاص يجب عليه تجاهلهم فلم الحزن والتفكر في هذه الأمور المؤلمة، فيرد بكلمتين لتصف الألم والحسرة «فقط تجرحني».

المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2015-05-17-1.2375695