زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

مجدداً: «حارة الكون تتسع لصديقين بدلاً من صديق واحد»!

آراء

حظيت زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا، الأسبوع الماضي، باهتمام إعلامي كبير وبتساؤلات سياسية أكبر. لم يكن الملفت للانتباه في تلك الزيارة عنصر واحد فقط كما قد يحدث مع بعض الزيارات السياسية المثيرة للجدل، لكنها عناصر عديدة اجتمعت في ذلك الحدث، وقلّما اجتمعت:

أولاً: الوجهة/ روسيا التي لم تعتد الأقدام السعودية على طرق خطواتها هناك كما تفعل في وجهات أخرى مألوفة، منذ قطع العلاقات مع الاتحاد السوفياتي في العام ١٩٣٨ على رغم عودة العلاقات في العام ١٩٩٠ ثم المحاولة التقاربية التي كانت من الملك عبدالله بن عبدالعزيز إبان زيارته إلى موسكو في العام ٢٠٠٣. لكن روسيا ظلّت الوجهة السياسية الأبعد، على رغم قربها الجغرافي.

ثانياً: التوقيت / حيث تعصف بالمنطقة أحداث مربكة وحساسة، قد يرى البعض أنها لا تحتمل المجازفة بخطوات غير مسبوقة أو بتحالفات غير معهودة.

ثالثاً: الأجندة / حيث لم تكن تلك الزيارة المفاجئة في وجهتها وفي توقيتها زيارة مجاملة باردة، بل احتوت أجندتها على اتفاقيات وشراكات ساخنة ودقيقة.

إذا كان قانون السياسة البراغماتي هو أنه ليس ثمة صديق دائم ولا عدو دائم، فإن الزيارة السعودية إلى روسيا هي زيارة سياسية بامتياز، إذ ذهبت باتجاه نفي الظن بأن روسيا عدو دائم، وكذلك خلخلة الاعتقاد بأن أميركا صديق دائم.

بشكل أدق فإن الزيارة لا تتجه لنفي مبدأ الصداقة أو العداوة، لكنها تنفي الديمومة!

جعلتني هذه الزيارة أستعيد ما سبق أن كتبته من مقالات في العامين ٢٠٠٢ و ٢٠٠٣ أدعو فيها إلى تجسير العلاقة بين العالم العربي والاتحاد الروسي، ليس من مبدأ استبدال حليف بحليف آخر، ولكن من منطلق تنويع التحالفات وتعديدها وهروباً من التحالفات الاحتكارية التي عادةً ما تكون باهظة الثمن. وقد جعلت عنوان أحد تلك المقالات هو العنوان الذي وضعته أعلاه، مجدداً. كما استطردت في الحديث عن شكل العلاقة السعودية الروسية التي كانت والتي ينبغي أن تكون في مقال آخر جعلت عنوانه: «بريسترويكا العلاقات السعودية الروسية»، وما كنت أتوقع أن هذه البريسترويكا ستقترب من التحقق بعد ١٣ عاماً من تلك الكتابة.

أدركت خلال ترداد متوالٍ لي على موسكو في المدة من ١٩٩٩ إلى ٢٠٠٧ أن روسيا (والاتحاد السوفياتي سابقاً) ليست الوحش الذي كانت تصوره لنا المصادر الغربية، كما أنها ليست الملاك أو المدينة الفاضلة التي كانت تصورها لنا الأدبيات والمصادر الشيوعية. وقد قلت في ختام مقالي حينذاك أني أكتب «لا محرضاً لقطع العلاقات مع أميركا ولكن لتجسير العلاقات بين الدول العربية ودول الخليج خاصة والسعودية بالذات مع روسيا. فنحن ندرك أن روسيا الآن ليست دولة عظمى، لكن ربما تكون قادرة على تحقيق دور توازني عظيم في المنطقة، بل الأمر قد يتجاوز ذلك، فقد طرح أكثر من كاتب غربي تساؤلاً حول ما إذا كانت روسيا لا تزال دولة عظمى؟ ولقد أقر معظمهم بذلك من حيث صناعاتها الحربية وترسانتها النووية، لكن روسيا تملك أيضاً من مواصفات «العظمة» مساحتها الشاسعة من أقصى شرق الكرة الأرضية ـ بإطلالة على الغرب الأميركي ـ إلى حدود فنلندا غرباً، وحدود روسيا تتاخم قرابة خمس عشرة دولة آسيوية وأوروبية شرقاً وغرباً وجنوباً، إضافة إلى تعدد أعراقها وثقافاتها وإرثها التاريخي، هذا عدا علاقاتها القديمة والعريقة مع الإسلام ومع الثقافة واللغة العربية».

من منظور آخر، فقد فسرتْ بعض وسائل الإعلام الغربية، والروسية أيضاً، الزيارة السعودية المفاجئة بأنها قد تكون مجرد نكاية وكيد لأميركا التي هادنت إيران كثيراً في برنامجها النووي!

فلتكن الاتفاقيات السعودية مع روسيا الأسبوع الماضي ثم مع فرنسا اليوم هي نكاية وكيد، أليس الكيد من أدوات السياسة المعتبرة والفعالة؟!

إذا كانت النكاية والكيد سيجديان في إعادة وزن التحالفات في المنطقة ورسم خطوطها الواضحة فلا بأس من استخدامهما مع من تجدي فيهم تلك الأدوات السياسية.

المؤكد بأن شعورنا أن لنا صديقين خير لنا من شعورنا بأن لنا عدواً واحداً!

المصدر: الحياة