علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

محاربة الفكرة

آراء

في الوقت الذي كان فيه حجاج بيت الله الحرام يقفون على صعيد عرفات، رافعين أكفهم بالدعاء إلى الله تعالى أن يرفع عن الأمة الغمة، ويفرج الكربة، كي تخرج من هذا النفق المظلم الذي سيقت إليه.

كانت هناك كفوف أخرى تضغط أصابعها على زناد البنادق، لتواصل رحلة الإبادة التي بدأتها ضد مسلمين من بني جلدتها ودينها وعقيدتها، مصرة على تكفيرها، محتكرة الدين الصحيح لها وحدها، مقصية الجماعات الأخرى التي يشهد أفرادها أن «لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله» مثلها.

احتكار الإسلام من قبل بعض الجماعات التي تسمي نفسها «إسلامية» هو الآفة الكبرى التي تجتاح العالم الإسلامي.

ومن هذه الفكرة الخبيثة يؤتى الإسلام أكثر مما يؤتى من قبل الأفكار الأخرى التي غالبا ما تلصق بها نظرية المؤامرة محاربة الإسلام والكيد لأهله، وتخريب بلاد المسلمين، في حين نرى أن هذه البلاد تخرَّب بأيدي المسلمين أنفسهم أكثر مما تخرَّب بأيدي غيرهم، ونرى المسلمين يبادون بأيدي مسلمين مثلهم أكثر مما يبادون بأيدي غيرهم.

ونرى الإسلام يتعرض للتشويه على أيدي هذه الجماعات التي تسمي نفسها «إسلامية» أكثر مما يشوَّه على أيدي أعداء الإسلام الذين طالما حمّلناهم مسؤولية هذا التشويه على مدى العقود، وربما القرون، الماضية.

من أين جاء هذا الفكر المتشدد المنحرف، وكيف نما وترعرع حتى أصبح الخطر الأكبر الذي يهدد كيان الأمة الإسلامية ويعصف بها، مخربا ديارها، سافكا دماء أبنائها، حاشدا العالم ضدها؟

سؤال لا بد أن نطرحه، وأن نبحث عن إجابة له، قبل أن نفكر في مواجهة الجماعات التي تحمل هذا الفكر بالسلاح، والتحالف مع دول العالم وشعوبه التي تخشى امتداد خطر هذه الجماعات، ووصول إرهابها إليها، لأنها أصبحت تستميل أبناءها، وتحولهم إلى إرهابيين، يستحلون الدماء، ويقطعون الرقاب بدم بارد، ويهددون بنقل ما يمارسونه على أرض المسلمين إلى كافة أرجاء المعمورة.

وأولها الدول التي قدموا منها، بدعوى القضاء على الظلم، وهم يمارسون الظلم بأسوأ أنواعه وأكثرها خسة، ضد مدنيين عزل أبرياء، تحت راية الخلافة الإسلامية المزعومة، مدعين إقامة الشريعة وتطبيق الحدود الإسلامية.

بداية لا بد أن نعترف بأن هذا الفكر المتشدد إنما هو من صنع أيدينا، فهو نتاج مناهج التعليم لدينا في بعض الدول الإسلامية، هذه المناهج المتخلفة التي تعود بنا قرونا إلى الوراء، متجاهلة ما طرأ على الإنسانية عبر تاريخها من تطورات تستوجب تغيير الفكر، والتعامل مع مستجدات الحياة بمرونة تتناسب مع هذه المستجدات، وتساير العصر الذي نعيش فيه.

فهذه المناهج ما زالت تعتمد على أفكار عاش أصحابها في عصور مختلفة عن عصرنا، وضمن بيئات منغلقة على نفسها، لا تشبه البيئات التي نعيش فيها اليوم، ولا تتوفر لها وسائل التواصل التي تتوفر لنا اليوم.

لذلك فإن ما يصلح للتطبيق على تلك المجتمعات لم يعد صالحا للتطبيق في هذا العصر. ورغم كل ما نراه يحدث الآن نتيجة هذه المناهج العقيمة، فإن هذه المناهج ما زالت تطبق، وما زال الذي يدرِّسونها هم تلاميذ تلك المدرسة القديمة التي ترفض التخلص من هذه الأفكار التي تفرِّخ لنا كل يوم جماعة متطرفة جديدة.

وتدفع أبناءنا إلى الانخراط فيها، والتحول إلى إرهابيين، يذهبون تحت تأثير الدعوة لنصرة الإسلام إلى المناطق الملتهبة، ليتحولوا إلى قتلة وانتحاريين، يتطلعون لملاقاة الحور العين في الجنة التي يعدهم بها زعماء تلك الجماعات، ويزينها لهم مفتوها القابعون في جحور الظلام، لا يخرجون منها إلا لينشروا فتوى جديدة تزهق بها أرواح بريئة، وتسفك بها دماء بشرية غالية.

لقد أدى انبهار الشباب، خلال العقدين الأخيرين على وجه الخصوص، ببعض الذين يسمون أنفسهم دعاة إلى تضليل هؤلاء الشباب، والدفع بهم للانخراط في هذه الجماعات.

ولعب إعلامنا الرسمي والخاص دورا كبيرا في تلميع هؤلاء الدعاة المزعومين، ففُتِحت لهم أبواب إذاعاتنا وتلفزيوناتنا، وأفردت لهم جرائدنا صفحات، حتى أصبح لهم معجبون «يحبونهم في الله» كما يقولون، وغدا يحتشد لهم آلاف المريدين في المساجد، فشكلوا أداة تأثير على الشباب لا يمكن مقاومتها، وصارت لهم كلمة مسموعة، ودعوة مجابة، ورأي متبَّع.

ثم جاء فشل برامج التنمية في الدول العربية والإسلامية ليلعب دورا كبيرا في دفع الشباب لكره الأنظمة الحاكمة في بلدانهم، والدعوة لمحاربتها وإسقاطها، من أجل بناء مجتمعات جديدة، لا محل للفقر فيها.

وتكاتف معهم عدد كبير من الشباب الذين نشؤوا وترعرعوا في دول غربية لا تعاني أزمات اقتصادية، ولا توجد فيها أزمة فقر مثل بعض الدول العربية والإسلامية، فهناك ما يقرب من ثلاثة عشر ألف مقاتل جاؤوا من الغرب في صفوف الجماعات المتطرفة التي تقاتل على أرض العراق والشام، الأمر الذي يطرح أكثر من سؤال حول علاقة الفقر بالانحراف الفكري والإرهاب، ويضعنا أمام أسئلة جديدة، يجب البحث عن إجابات لها عند تحليل هذه الظاهرة.

هل ثمة أمل؟ سؤال يبقى معلقا، بانتظار توفير شروط جديدة للبحث عن ضوء في آخر النفق، رغم الظلام الذي يحيط بنا.

وأول هذه الشروط هو محاربة فكرة التطرف بالفكر قبل السلاح، وعندما يتحقق هذا الشرط، نكون قد وضعنا أرجلنا على أول الطريق الصحيح لتحقيق النصر على هذه الجماعات الإرهابية التكفيرية التي تستمد قوتها من ضعفنا فكريا، أكثر مما تستمده من ضعفنا عسكريا، وسوف تنهزم عندما تتفوق أفكارنا على فكرتها.

المصدر: البيان
http://www.albayan.ae/opinions/articles/2014-10-06-1.2215549