سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

مسؤولية الشرطة.. ولا أحد غير الشرطة!

آراء

حوادث عدة شهدتها الدولة تسبب فيها سائقون يعانون أمراضاً مختلفة، من بينها ذلك الحادث الذي وقع في دبي عام 2012، حين تسبب شاب في حادث أسفر عن وفاة مواطن، وتضرر ست سيارات، وتبين من التحقيقات أنه عانى «غيبوبة السكري» قبيل الحادث، ولم يكن في وعيه حين صدم السيارة التي كانت تقف أمام إشارة مرور حمراء بسرعة عالية!

وتتكرّر المأساة بصورة مختلفة وبمرض مختلف الأحد الماضي، عندما اقتحم سائق مريض بالصرع مطعماً بسيارته وتسبب في وفاة امرأة وطفل وإصابة خمسة أشخاص آخرين، منها إصابتان بليغتان لطفلتين هما شقيقتا الطفل المتوفى!

هذه الحوادث، وغيرها المتوقعة مستقبلياً، التي يتسبب فيها سائقون يعانون أمراضاً تؤثر في مستوى تركيزهم أو تصيبهم بنوبات صرع أو غيبوبة، تثير تساؤلات كثيرة حول أهلية الحصول على رخصة القيادة، أو أهلية الاحتفاظ بها، وتجعلنا نتساءل: لماذا لا يوجد نص قانوني وتشريعي واضح إلى الآن يحكم ذلك؟ رغم أن أغلب هذه الحوادث خطرة للغاية، ولا تقتصر أضرارها على السائقين المرضى أنفسهم، بل تتعداهم لتشمل أبرياء من سائقي مركبات أخرى، أو مارة في الطرق، أو أبرياء لا علاقة لهم بالطريق كما في حالة المطعم، والأخطر من ذلك أن مثل هذه الحوادث قد تتكرّر اليوم أو غداً أو في أي لحظة، لأن علاج المشكلة قانونياً وتشريعياً لم يبدأ بعد!

من غير المعقول أن تكون رخصة القيادة صالحة للأبد، ومن الطبيعي جداً أن تتغير بعض شروط تجديد الرخصة، وكان الأجدر بالجهات المختصة إعادة تقييم الوضع، ودراسته، واتخاذ ما يلزم منذ سنوات عدة، ومن لحظة بروز المشكلة حين وقع الحادث الأول بسبب هذه الأمراض، لكنّ شيئاً من هذا لم يحدث، ولم يصدر إلى اليوم قانون أو تشريع يحتم على السائقين تقديم أوراق فحص طبي شامل، يؤكد عدم إصابتهم بأي مرض قد يؤثر في تركيزهم وقدرتهم على القيادة، هي تلك الورقة القديمة المتجددة المختصة بفحص النظر، هي كل ما يلزم لتجديد الرخصة!

لا أتفق أبداً مع مساعد القائد العام لشرطة دبي رئيس مجلس المرور الاتحادي اللواء محمد سيف الزفين، حين قال: «ليس من مهام الشرطة فحص الأشخاص إن كانوا مصابين بأمراض مزمنة تحول دون قدرتهم على القيادة الآمنه»، ولا أتفق معه أبداً أيضاً حين قال: «إنها مسؤولية الأسر لمنع أبنائهم الذين يعانون أمراضاً خطرة من القيادة، لأنهم يشكلون خطراً على أنفسهم ومرتادي الطرق»!

صحيح أنه ليس من مهام الشرطة فحص الأشخاص لمعرفة الأمراض المصابين بها، لكنها تستطيع بالتأكيد أن تربط تجديد الرخصة بإحضار شهادة الفحص من الجهات الطبية المعتمدة، بل إنها تستطيع بكبسة زر أن تربط كمبيوتراتها بكمبيوترات وزارة الصحة لمعرفة الحالة الصحية لكل سائق، إنه أمر في غاية السهولة في ظل التقدم الإلكتروني الهائل الذي يجتاح الدولة!

ولا أتفق مع اللواء الزفين في تحميل الأسرة هذه المسؤولية، لأن منع الخطر على الطريق هو جزء من صميم عمل الشرطة، وإلا لماذا تكافح الشرطة السرعات العالية؟ ولماذا تحجز المركبات المتهورة؟ ولماذا تعاقب السائقين المتهورين بغرامات عدة؟ لماذا لم تجعل ذلك مسؤولية الأهالي، وتلغي وجود الرادارات في الشوارع كافة، وتكتفي فقط بإبلاغ الأهالي عن السائقين الطائشين والمتهورين دون تغريمهم وحجز مركباتهم؟!

نحن أمام مشكلة حقيقية، مشكلة تزهق فيها أرواح بريئة، مات فيها مواطنون ومقيمون وأطفال، لذا فهي تحتاج إلى تشريع وقوانين ملزمة، وتحتاج إلى إجراءات فعلية للحد منها، وهذه الأمور ليست بيد الأسر أو الأهالي، إنها بيد القانون الذي تمثله الجهات الرسمية المعنية، ومن ثم على الجميع السمع والطاعة لما فيه ضمان لسلامة الجميع، والحفاظ على أرواح السائقين على الطرق مسؤولية الشرطة ولا أحد غير الشرطة!

المصدر: الإمارات اليوم