مسجد وثلاث كنائس

آراء

يتوسط مسجد «مريم أم عيسى عليهما السلام»، بمآذنه الأربع، كنيسة أندروز الأنجليكانية، وكنيسة القديس جوزيف، والكنيسة الإنجيلية في منطقة المشرف في أبوظبي، وكان يُسمى «مسجد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان»، ويعدّ من أبرز المعالم الجمالية في العاصمة، بتفاصيله الفنية، ونقوشه وأعمدته، وأقواسه التي تتشكل من العناصر التقليدية في العمارة الإسلامية.
هذه صورة إماراتية خاصة: مسجد يتسع لأكثر من ألفي شخص، وثلاث كنائس، ومن الطبيعي أن يتشارك المصلون المسلمون والمسيحيون المواقف والمرافق الخدمية في المنطقة، في مشهد عفوي للتسامح والعيش المشترك، فأبوظبي وضعت حجر الأساس، لكنيسة سانت جوزيف الكاثوليكية، في العام 1964، قبل أن تنتشر على أرض الإمارات كنائس معظم الطوائف المسيحية، ويفد إلى بلادنا الملايين من مختلف الأعراق والديانات والثقافات.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وجّه في يونيو 2017، برفع لافتة مسجد «مريم أم عيسى عليهما السلام»، عوضاً عن لافتة تحمل اسم سموه، تجسيداً حرفياً للجوامع المشتركة بين الأديان السماوية، وتطبيقاً لجوهر الدين الحنيف في التآخي والتقارب والسلام.
كانت تلك رسالة إماراتية، أعقبت مناخات من التطرف والظلام، شهدتها أنحاء عدة من عالمنا العربي، فالتنظيمات الإرهابية توحشت ضد المسيحيين، ورأينا أكثر من مشهد دموي لتفجير كنائس يذكر فيها اسم الله في العراق ومصر، بعد طغيان التكفير، ومنهجة أجندات مريبة، لبث الفرقة والتناحر بين المسلمين والمسيحيين، خصوصاً بعد تزييف نسخ دينية، لا أصول لها في صحيح الإسلام، وفي روح الرسالة المحمدية.
قبل ذلك، ملأت الإمارات فراغاً مؤسسياً في الجهود العربية، لنشر ثقافة التسامح، ونبذ العنف، فأطلقت مركز «هداية» لمكافحة التطرف، في 2012، ثم مركز «صواب» في 2015، وفي ذلك العام، أصدرت الدولة قانون «مكافحة التمييز والكراهية»، وفي 2016 أنشأت وزارة التسامح، وبعدها، أسست «المعهد الدولي للتسامح» في 2017، وغير ذلك من أطر وبرامج ومؤتمرات، تصدرت فيها الإمارات العمل الإسلامي، لخدمة الوسطية والاعتدال.
«التسامح هو السبيل للتقدم بين بني البشر، وهو طريق ضروري لنقلهم من الصراع والنزاع، إلى التعايش والازدهار» كما يقول الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح، معبراً عن رؤية الدولة في المواظبة على تأكيد مكانة الإمارات مثالاً للمحبة والوئام بين أتباع الديانات، وتعزيزاً للقيم الإنسانية الجامعة.
في «عام التسامح 2019»، ستكون تجربتنا أكثر رسوخاً، وتبعث دراستها في التاريخ والحاضر، مزيداً من الإلهام، للدول والمجتمعات، والنخب الفكرية، وقد نذرناها للإنسانية جمعاء.
المصدر: الاتحاد