علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

معارض الوظائف ووظائف المعارض

آراء

انتهت قبل أيام الدورة الثانية عشرة من معرض «توظيف أبوظبي»، الذي نظمته شركة «إنفورما» للمعارض، وحظي بشراكة استراتيجية مع «دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي»، كما حظي برعاية القوات المسلحة، الراعي التيتانيوم، بينما مثل كل من القيادة العامة لشرطة أبوظبي ومصرف أبوظبي الإسلامي الراعي البلاتيني، ومثلت «دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي» الراعي الذهبي، بالشراكة مع الشركة القابضة العامة «صناعات»، و«الإمارات العالمية للألمنيوم»، و«هيئة التأمين»، و«مصرف الإمارات المركزي»، و«جامعة نيويورك أبوظبي»، و«موانئ أبوظبي»، إلى جانب عدد من الشركاء من مختلف القطاعات.

تعمدت أن أذكر الجهات الراعية، لأقول: إن معرضاً يحظى برعاية هذه الدوائر والمؤسسات والشركات المهمة، لا شك في أننا نتوقع منه نتائج ملموسة، تنهي الشكاوى التي نستمع إليها بشكل شبه يومي في برامج البث المباشر، التي لا تخلو منها إذاعة من الإذاعات، التي تبث من أنحاء دولتنا، والتي تعبر عن معاناة الكثير من الخريجين المواطنين، التي يفصحون عنها من داخل معارض التوظيف نفسها، وهم ينتقلون بأوراقهم من منصة إلى منصة، باحثين عن حلول تنهي معاناتهم، بعد أن قضوا سنوات من أعمارهم على مقاعد الدراسة، وأصبحوا جاهزين لتخطي أولى عتبات الحياة العملية، والحصول على الوظيفة التي تحقق لهم الأمان والاستقرار، لبناء أنفسهم، وتكوين أسر تسهم في بناء هذا الوطن ونهضته، فإلى أي مدى حققت معارض التوظيف هذه وظيفتها خلال السنوات الماضية، وماذا يقول المسؤولون عنها، وماذا يقول الزائرون لهذه المعارض؟

لسنا بصدد انتقاد هذه المعارض أو الدفاع عنها، ولكننا نطلب تقييمها تقييماً حقيقياً وصادقاً، فما نستمع إليه من تصريحات المسؤولين عبر وسائل الإعلام والمنصات المختلفة، يختلف عن الصورة التي يقدمها زائرو هذه المعارض من الباحثين عن فرص عمل، المتشبثين بقشة تنقذهم من الغرق في بحر البطالة، بعد أن أنجزوا ما عليهم، وحصلوا على الشهادات الجامعية التي تؤهلهم للحصول على الوظائف التي تتيح لهم ممارسة ما تعلموه على مدى سنوات من أعمارهم، كي يكونوا مؤهلين لخدمة هذا الوطن ورد الجميل إليه، وتكوين أنفسهم للانطلاق نحو المستقبل بأمان وثقة، فماذا يقول المسؤولون عن معارض التوظيف، وماذا يقول الزائرون لهذه المعارض من الخريجين الباحثين عن فرص عمل يعدهم بها المنظمون والمشاركون؟

على مدى أيام «معرض توظيف أبوظبي» الثلاثة استمعت إلى بعض الأحاديث الإذاعية، التي أجرتها إذاعاتنا المحلية مع مسؤولين عن المعرض، وقرأت بعض التصريحات لهم، والحق يقال: إنها أحاديث وتصريحات مبشرة، تطرح أرقاماً، وتتحدث عن خطوات للتثبت من تحقيق المعرض لأهدافه، وتعد بعرض نتائج ذلك على الجمهور، تأكيداً لمصداقية المعرض والقائمين على تنظيمه، وهي مصداقية لا نشك ولا نشكك فيها إطلاقاً، لأننا واثقون بنياتهم الطيبة، وجهودهم التي تسعى لتوفير فرص عمل لهذه الشريحة المهمة من شرائح المجتمع، لعلمهم بمقدار اهتمام القيادة بها، ومدى حاجتهم إلى هذه الوظائف، وإلا أصبح ما بذلوه من جهد في التعلم ونيل الشهادات العليا هباء منثوراً، لا فائدة ترجى منه.

ورغم هذا فإننا غير واثقين بمصداقية بعض الشركات والجهات التي تشارك في مثل هذه المعارض، وما إذا كانت مشاركتها هذه جادة، أم أنها مشاركة ديكورية، الهدف منها هو الاستعراض بالدرجة الأولى، وتبييض الوجوه أمام القيادة والمسؤولين أثناء فترة إقامة المعرض، ثم العودة إلى المكاتب لاستئناف الحياة، وإلقاء ما جمعه ممثلوها من طلبات وأوراق خلال فترة المعرض في سلال المهملات، بانتظار الدورة المقبلة من المعرض، ليتكرر السيناريو نفسه.

لماذا نقول هذا، وهل هو اتهام بلا سند أو دليل، أو بلا مؤشر على الأقل؟ إطلاقاً، ففي التحقيقات التي نشرتها صحفنا المحلية من داخل المعرض، أبدى عدد كبير من حديثي التخرج أسفهم مما وصفوه بـالشروط الصعبة التي تضعها أغلبية شركات القطاع الخاص، لا سيما شرط سنوات الخبرة، والحصول على اختبار إجادة اللغة الإنجليزية «آيلتس» المرتفع، وتطابق المؤهل، والعمل لساعات طويلة، أو في مناطق بعيدة، مؤكدين أنها تضائل فرصهم في الحصول على الوظائف المأمولة، التي قالوا إنها مخصصة لأصحاب الخبرات وليست للخريجين.

وقال أحد الخريجين الجدد: إن مسؤولة أحد الأجنحة حين عرفت أنه خريج جديد، لا يملك سنوات الخبرة المطلوبة، ولم يجر اختبار اللغة الإنجليزية «آيلتس»، رفضت استلام سيرته الذاتية.

وأمام إصراره سألته إذا كان مستعداً للعمل في إحدى المناطق البعيدة عن مقر إقامته، فأجابها بأنه مستعد، وبعد كل هذا، قالت: من الأفضل ملء الاستمارة إلكترونياً! وعلقت إحدى الخريجات الزائرات للمعرض قائلة: إن عدم قبول بعض المؤسسات السيرة الذاتية يدوياً، نوع من عدم الاكتراث، وطريقة للتعبير عن عدم الرغبة في التوظيف، ولكن بشكل لائق.

وأضافت: التقديم الإلكتروني متاح للجميع، فما الفائدة من الحضور إلى المعرض؟ بينما قالت أخرى إنها تخرجت منذ ثلاثة أعوام، ولم تحصل على عمل بسبب تلك الشروط التعجيزية. وتساءل خريج آخر قائلاً إن الشروط التي تطلبها الشركات إذا توفرت في أي شخص، يستطيع الحصول على وظيفة في أي مكان، فما ميزات المعرض إذاً؟

هذه ليست إلا نماذج من آراء بعض الخريجين الذين زاروا معرض «توظيف أبوظبي» هذا العام. وهي لا تختلف كثيراً عن آراء زملاء لهم زاروا معارض أقيمت في مناطق مختلفة من الدولة الأعوام السابقة، نضعها بموازاة تصريحات المسؤولين، كي نعود إليها الأعوام المقبلة، متمنين ألا تكون لنا ذاكرة ذبابة.

المصدر: البيان