سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

معاقبة المخالف بدلاً من معاقبة «السيارة»!

آراء

خلال النصف الأول من العام الجاري، سجلت شرطة دبي 112 حالة وفاة في حوادث مرورية، و1037 إصابة تنوعت بين البسيطة والمتوسطة والبليغة، وتعاملت الشرطة مع 1472 حادثاً مرورياً، وهذه الحوادث، دون شك، معظمها ناجم عن مخالفات وتجاوزات السائقين لقوانين السير والمرور، مثل القيادة بتهور، وعدم ترك مسافة كافية، وقطع الإشارة المرورية، والانحراف المفاجئ، وغيرها من المخالفات الخطرة.

هذه الأرقام خاصة بستة أشهر فقط، في حين أن الأعوام الماضية بشكل عام تسجل زيادات سنوية كبيرة في أعداد وفيات الحوادث، وصلت في العام الماضي إلى 166 حالة وفاة، وزيادات أيضاً في أعداد الحوادث، حيث تعاملت الشرطة مع 3092 حادثاً.

تعاملت شرطة دبي أيضاً مع المخالفين، وتحاول جهدها السيطرة على التهور والمتهورين، للتقليل من الحوادث الخطرة، ومن أجل ذلك فقد ارتفع في المقابل إجمالي المركبات المحجوزة من جانب الشرطة إلى 50% خلال العام الماضي، بواقع 15 ألفاً و118 مركبة، مقابل 10 آلاف و200 مركبة عام 2014!

هناك علاقة مباشرة بين كثرة الحوادث والمخالفات الخطرة، وعلاقة أخرى مباشرة، دون شك، بين عدد المخالفات الخطرة وعدد المركبات المحجوزة كعقوبة من جانب الشرطة، لكن من الملاحظ أن هذه العلاقة طردية، في حين يفترض أن تكون عكسية، بمعنى زيادة المخالفات والحوادث حالياً تواجهها زيادة في المركبات المحجوزة، في حين يفترض أن تؤدي العقوبة إلى التقليل من المخالفات، وتالياً فإن العلاقة الطبيعية يجب أن تكون الزيادة في المركبات المحجوزة يواجهها انخفاض في أعداد الحوادث الخطرة والوفيات!

هذا يعني بوضوح أن عقوبة حجز المركبات غير مؤثرة، ولم تؤد المطلوب منها، ولم تصل إلى مستوى الردع المطلوب لإيقاف مسلسل الحوادث والقيادة بتهور، خصوصاً أنها أولاً يمكن استبدالها بقيمة مالية، بحيث يدفع المخالف 100 درهم عن كل يوم حجز، وينتهي كل شيء، وثانياً أنها قد لا تمسّ المخالف الحقيقي مباشرة، فالمتهور غالباً ما يكون الابن، في حين السيارة تكون باسم ولي الأمر، لذا فإن المخالف الحقيقي لم يشعر بالعقوبة، ولن يرتدع بحجز المركبة!

والسؤال هنا ماذا لو كانت العقوبة تمسّ مباشرة المخالف؟ وماذا لو تحولنا من معاقبة «السيارة»، كما هي الحال حالياً، إلى معاقبة سائق السيارة، ألن يكون الوقع أشد تأثيراً وردعاً؟!

بالتأكيد لن أطالب بحجز السائق بدلاً من السيارة، فليس الهدف هنا زجّ الشباب في السجون، بقدر ما نهدف إلى جعلهم يتركون التهور، ويحسبون ألف حساب لمغامراتهم الطائشة قبل البدء بها، وهذا ما فعلته كثير من الدول، عن طريق ساعات العمل الإجبارية في المرافق العامة، وحقّقت بذلك نتائج إيجابية في الحد من كثير من المخالفات.

بدلاً من حجز السيارة، وحجز السائق، تفرض المحكمة ساعات عمل إجبارية طوال فترة معينة على المخالف، يقضيها بعد انتهاء دوامه، منها تنظيف الشوارع أو الأماكن العامة، أو العمل في المستشفيات ومراكز ذوي الإعاقة أو غيرها، ويرتدي زياً مختلفاً مميزاً عن بقية العاملين، وحسب مخالفته تكون فترة وساعات الخدمة، أليس في ذلك ردع مباشر للسائق المتهور، بدلاً من حجز السيارة، ثم تسليمها بعد دفع قيمة الحجز؟!

هي تجربة نجحت في بلدان عدة، ولا مانع من تطبيقها بعد دراستها بعناية، فالمؤشرات الحالية أثبتت عدم فاعلية العقوبات الحالية، فلِمَ لا نبدأ بالتفكير في طرق ردع أخرى تمسّ المخالف بشكل مباشر، وتجعله يشعر بالإحراج الشديد تجاه المجتمع، وتالياً يفكر مرات عدة قبل أن يضع نفسه في هذا الموقف، ويعتدي على قوانين السير والمرور معرضاً حياة الآخرين للخطر؟!

المصدر: الإمارات اليوم