معضلة الخبرة

آراء

يبذل الكثير من طلاب الجامعات مجهوداً حقيقياً في اكتساب العلم، والالتزام بحضور دروسهم، وتسليم المشروعات والأبحاث المكلفين بها في موعدها، بانتظار اليوم الموعود ليتخرّجوا في الجامعة، ويلتحقوا بوظيفة أحلامهم، أو يبدأوا مشروعاً خاصاً بهم، ولكن للأسف يصطدمون بالواقع، وهو غياب الخبرة، وهي متطلب أساسي للالتحاق بأية وظيفة، فقط القليل من الشركات – وأغلبها شركات عالمية – تقدم برامج لتعيين الخريجين، ولكن لا يسهل الالتحاق بتلك الشركات، خصوصاً إذا لم يكن الطالب من أبناء البلد الذي يدرس فيه، وقد تؤدي معضلة الخبرة إلى عزوف الطالب عن تخصصه، وقبول أي مهنة في أي مجال لمجرد أن يجد «لقمة العيش»، وهنا تكون البداية الهزيلة لحياة وظيفية كئيبة لا يتمتع فيها الإنسان بعمله، لأنه ليس العمل الذي سعى من أجله أو تمنّاه.

في كثير من الدول التي تغلبت على هذه المعضلة يتم تقديم برامج للتدريب الداخلي الخاص بطلاب ما قبل التخرج، فإذا كانت مدة الدراسة أربع سنوات مثلاً يتوقف الطالب بعد السنة الثالثة للعمل لمدة من 6 – 9 أشهر في وظيفة وبدوام كامل في مجال تخصصه بإحدى الشركات أو المصانع، يتم خلالها تقديم التدريب العملي له، وإسناد مهام عمل حقيقية يتعلم فيها الطالب الالتزام والمهنية، ويعرف قيمة الوقت وقيمة المال أيضاً، وبعد انتهاء التدريب يعود الطالب لاستكمال عامه الأخير بالجامعة. وقد رأيتُ وتعاملتُ مع الكثير من الطلاب قبل وبعد التدريب العملي، وبلاشك يحدث تحوّل كامل في أسلوبهم وطريقة تعاملهم وفهمهم للحياة، بل وفهمهم للمواد العلمية في السنة الأخيرة، حيث يدركون العلاقة بين الإطارين النظري والعملي، كما يلاحظون الفجوات إن وجدت. ويسهم التدريب العملي في تصحيح المسار أحياناً، حيث يكتشف البعض أن الصورة الذهنية لديهم عن التخصص تختلف عن الواقع العملي، وبالتالي يراجعون أنفسهم في اختيار التخصص في السنة الدراسية الأخيرة.

هناك كثير من الفوائد للتدريب الداخلي الفاعل والحقيقي، وليس مجرد توقيع الحضور والانصراف، ويمكن إيجاز تلك الفوائد في اكتساب خبرة عملية تسهّل الحصول على وظيفة مناسبة، والتحقق من المسار الوظيفي والميول الحقيقية، وتحسين المهارات، خصوصاً مهارات التواصل والتنظيم، والحصول على عائد مالي خلال الدراسة، حيث إن معظم البرامج تشمل تسلّم أجر من الشركة المضيفة، وتكوين علاقات مهنية وزمالة في مجال التخصص، واكتساب وتعزيز الثقة بالنفس، وتسهيل الانتقال إلى الحياة العملية بسرعة وفاعلية. في الغالب يتم استقطاب المتدربين النابهين في الشركات التي استضافتهم، فتتحقق الفائدة للطرفين، فالطالب حصل على وظيفة، والشركة اختبرت الطالب قبل الالتزام بتعيينه.

المصدر: الإمارات اليوم