سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

مفهوم مغلوط لمعنى القوة!

آراء

غريب جداً إصرار إيران على الحديث مجدداً عن فكرة «تصدير الثورة»، والعمل على تقدمها في «دول أخرى» وتصديرها للخارج، وغريب جداً إعادة الصراخ وبصوت عالٍ دون مواربة عن أهمية «هندسة الثورة»، وتوسيع نطاقها في المجال الدولي، وغريب ما يدعو إليه قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري بـ«ترك التحفظ» لتجاوزات الحرس الثوري والثورة!

إيران أولاً، وقبل كل شيء، لم تتراجع عن هذه الفكرة ميدانياً وواقعياً، وإن كانت تراجعت تصريحات المسؤولين فيها عن هذا الأمر لفترة مؤقتة، إلا أن سياساتها العدوانية، وتدخلاتها في شؤون الدول المجاورة، وبشكل يتنافى مع القوانين الدولية والأعراف وحقوق الجيرة، جميع ذلك يصب في محاولاتها المستمرة لتصدير الثورة، ليس بزرع الأفكار فقط، بل بزرع أمر واقع مبني على نزع الاستقرار والأمن في المنطقة، وبدعم مباشر منها، وبالقوة!

الغريب في إصرار إيران على التمسك بفكرة «تصدير الثورة»، هو عدم استيعابها إلى الآن أن فكر هذه الثورة خارج عن نطاق الوضع العالمي الحالي المتطور، الذي يحل مشكلاته بالحوار لا بالاحتراب، وهو أمر فيه كثير من الرجعية التي لا يقبلها عقل الإنسان المثقف الواعي، المتسلح بعلم وتكنولوجيا الزمن الذي نعيشه، والأكثر من ذلك أن الدول الخليجية التي تحاول إيران زعزعة أمنها واستقرارها بفكرة الثورة، تعيش حالياً في نموذج متطور للغاية، لا يقبل بأي حال من الأحوال المقارنة مع نموذج إيران الذي تحاول تصديره، فهي تحاول استغلال المجتمعات الفقيرة التي تعاني الجهل والأمية والتخلف، وتفعل ذلك بالمال والسلاح، مسألة قائمة على المصالح لا القناعات!

يبدو أن السياسة الإيرانية مازالت تتمحور على واقع افتراضي، ووهم قائم على ضرورة السيطرة والاستيلاء على حقوق الغير، وممارسة القوة بشيء من العنجهية، التي يعود أساسها إلى الاعتقاد أن القوي يجب أن يأكل الضعيف، وأن حلم الإمبراطورية العظمى قابل للعودة مجدداً إلى الواقع!

كثيرون لم يستوعبوا إلى الآن أن العالم تغير، وأن القوة ليست بعدد الجيوش وضخامتها، وليست بحجم الدول وعدد سكانها، والتهديد باستخدام القوة غير مجدٍ، وليس له قبول عالمي عند الشعوب المتحضرة في أنحاء العالم، الأمثلة على صدق هذه المقولة كثيرة، لكن العقول التي تستوعب ذلك مازالت قليلة.

القوة بمعناها الحضاري هي النهوض والتطور والإسهام في الحضارة العالمية، ودعم الأعمال الإنسانية لصالح الإنسان أينما كان، والقوة في التحام القيادة مع الشعب، وفي سعي الحكومة لإسعاد شعبها وضمان رفاهيته ورخائه، والقوة هي دعم السلم والأمن العالميين، وإرساء السلام والمحبة، والمضي في طريق التسامح، وتقريب الشعوب من بعضها بعضاً، والقوة في إرساء العدالة الاجتماعية، وتمكين الإنسان كي يصبح منتجاً مفيداً.

أما المؤامرات الخفية، ونشر العنف والقتل، وتوسيع رقعة الدمار، وزرع الفتن وتكريس الحقد، واستعراض القوة والتعالي والعنجهية، والتدخل بشكل سيئ في شؤون الآخرين، ومحاولة خلخلة استقرارهم ونزع أمنهم، فهي ممارسات الضعيف الخائف، وهي علامة من علامات فقدان الثقة والارتباك، وهي لا تمت للقوة الحقيقية الحضارية بأي صلة، ومن يعتقد أنه قوي لأنه يمارس هذه الممارسات في السر والخفاء، فهو واهم دون شك.

المصدر: الإمارات اليوم