عبدالله الشويخ
عبدالله الشويخ
كاتب إماراتي

«لن يبقوا صغاراً للأبد..!!»

آراء

من أشد الأمور التي تخيف أي «ولي أمر» في أسرة معينة هي أن يكتشف صغاره حقيقته، أن يعلموا بأن تلك الشخصية الصارمة والمعتدلة والمحافظة التي يرسمها لنفسه ليست سوى أكذوبة اضطرته إليها ظروف الأبوة أو الأخوة أو مجرد ظروف الانتماء إلى أسرة محافظة أو تقليدية، من المرعب التفكير في ردة فعل الأبناء حين يعرفون بأن تلك المحاضرات عن الأخلاق الفاضلة أو ضرورة الالتزام بمسلك معين أو الابتعاد عن رفقاء السوء من المدخنين لم تكن سوى محاضرات «للاستهلاك المحلي» داخل المنزل، وأن جميع الممارسات الفعلية للمحاضر خارج المنزل كانت تتميز بدرجات غير معقولة من «الانفتاح» إذا ما تمت مقارنتها بمقاييس الأسرة.

يكاد قلبي يتوقف حينما يقوم أحد الزملاء بإرسال صورة معينة لي في وضع معين أو دولة معينة أو «حفلة» معينة، وهو يكتب تحتها: أيام جميلة! لعنك الله ولعن أيامك الجميلة تلك! لا أعرف أين كان عقلي عندها! كيف وافقت على أن تكون تلك الحادثة «موثقة»، كيف يمكنني ضمان عدم وصول هذه الصور أو المقالات أو القصص إلى أبنائي، في ذلك الحين كانوا صغاراً وكان لدى الكثير منا اطمئنانٌ إلى أن الأطفال لا يتقنون تقليب صفحات «فيس بوك»، ولذلك فسنبقى في أعينهم أبطالاً طالماً بقينا!

عجلة الزمن تمر بسرعة، وتكتشف أن أبناءك أصبحوا يقرؤون ما تكتب وأن إخوتك الصغار يقلبون الصفحات التي تقلبها، وأن مراهقات العائلة يتقن استخدام جميع الوسائل التقنية، بل ويعرفن بشكل شخصي العديد من الوجوه التي تتابعها أو تتابعك! وهي وجوه ليست كأي وجوه! إذا كنت تفهمني يا شنب! العالم لم يعد آمناً، والزمن لا يبدو أنه ينوي التوقف في نقطة معينة! قرأت قبل أيام عبارة لأحدهم عن أن أكثر الناس استقراراً نفسياً هم أولئك الأشخاص الذين تتشابه ممارساتهم الشخصية مع ممارساتهم أمام الآخرين! عبارة جميلة وحكيمة، لذا وبالقياس الطبيعي فأكثر الناس اضطراباً نفسياً هم أولئك الذين يحافظون على صورة معينة لهم أمام أبناء لم يعودوا صغاراً ويعيشون خارج إطار هذه الصورة تماماً في حياتهم الخاصة طالما أنهم يعتبرون أن شبابهم لايزال موفوراً!

بقليل من الحوارات مع أبناء جيلي اكتشفت أنّ في داخل كل منا رعباً ليوم المواجهة الذي لابد منه، هذا يجهز نفسه للمواجهة حين يكتشف أبناؤه أنه مدخن، وهذا يجهز نفسه للمواجهة حين يكتشف أبناؤه بذاءة ما يكتبه للمخالفين في مواقع التواصل، وثالث يجهز نفسه لمواجهة عائلته حين تكتشف زواجه بشقراء إسكندنافية لا تشبههم إلا في انتماء كل منهما تحت التصنيف: بشر! وأحمق آخر يقوم بتأليف رواية عن المواجهة ويقول لي بأن هذا هو أفضل تكنيك للتغلب على مخاوفه!

سيناريوهات مرعبة قد يكون فيها «خراب بيوت» كما يُقال، وليس أسهل من الحل فيها أن تكون كما أنت وتمارس صورتك التي تحب أن يراك فيها أبناؤك بعد سنوات ستمضي سريعة كعادتها، فهم مثل أي شيء في هذه الدنيا، لن يبقوا صغاراً إلى الأبد!

المصدر: الإمارات اليوم