يوسف القبلان
يوسف القبلان
كاتب سعودي

من يتحدث أقل يقلْ أكثر

آراء

في عصر السرعة والمعلومات التي تقابل الانسان وترافقه أينما اتجه، لم يعد الحديث الطويل هو المؤثر. ولهذا أصبح الناس وخاصة في ميادين العمل يفضلون الاختصار، وتجنب المقدمات الطويلة، والخطابات الانشائية.

وخلال العقدين الأخيرين حدثت ثورة معلوماتية وظهرت وسائل اتصال حديثة متعددة حاصرت الانسان وجعلته مقيدا أمام كم هائل من الأخبار والمعلومات والأفكار والصور التي كانت في الماضي تصله عبر المذياع أو الصحف أو التلفزيون وأصبحت الآن تأكل وتشرب وتنام معه وترافقه أينما ذهب.

الحقيقة أن الاختصار فن يحتاج الى مهارة وتدريب. من يطلْ الشرح والتفصيل قد لا يفعل ذلك عن رغبة وانما بسبب عدم القدرة على ايصال ما يريد أن يقوله عبر الاختصار. بعضنا يطيل معتقدا أن رسالته أو فكرته لم تفهم فيكرر ويضطر من يستمع اليه الى المقاطعة قائلا: الرسالة وصلت. أما من يصر على الاطالة والتكرار رغم وضوح ما يقول فيحتاج الى تدريب في مجال مهارات الاتصال.

وحتى لا أطيل عليكم سأختم بمثال قرأته لكم: كان نائب رئيس احدى الشركات العالمية شخصا حريصا على الأداء المثالي لكنه كثيرا ما ينخرط في الثرثرة غير الهادفة، وقد أدى إخفاقه في توصيل رسائل مختصرة بفريق التنفيذيين الذي يعمل معه الى الإصابة بالملل، فقد شعر أفراد الفريق بأنه يهيمن على الاجتماعات بمناقشته الطويلة جدا لكل نقطة!

بل إن الأسوأ من ذلك أنه حين كان يستشعر أن أفكاره قد أخفقت في التأثير على فريقه يعيد حديثه مرة أخرى. كان يعتقد أن التكرار والتفاصيل الإضافية سيوصلان رسالته. وقد أدى ذلك الى شعور أفراد فريقه بالإحباط نظرا لما كانوا يعرفونه عن هذا الرئيس من أنه رجل عبقري ينفذ الخطط دون أدنى خطأ، لكنهم كانوا يبغضون أسلوبه العقيم في التواصل.

وما أن تعلم هذا الرئيس أسلوب التبكير بالنقاط المهمة، حدثت أمور رائعة حيث أدت نقاطه الوجيزة الى تحقيق نجاح فوري وأصبح أكثر تأثيرا الى درجة كبيرة بات يحصل معها على الموافقات على مشروعاته وميزانياته بسرعة. كان سعيدا بهذه النتائج التي حققها بتغيير أسلوبه وكان زملاؤه بطبيعة الحال أكثر سعادة. (نقل بتصرف عن كتاب: قل أكثر تكلم أقل تأليف كوني ديكن/ مكتبة جرير).

وأخيرا أوجه الرسالة في هذا المقال الى نفسي أولا والى الزملاء والمعلمين والمدربين والمحاضرين وخطباء المساجد والمتحاورين في الندوات وفي محيط العمل.

رحم الله الأستاذ عابد خزندار الذي الى جانب صفاته الإنسانية وثقافته وكتاباته الوطنية، كان أحد المبدعين القلائل في فن المختصر المفيد من خلال زاويته في جريدة الرياض.

المصدر: الرياض
http://www.alriyadh.com/1033362