علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

من يقيم حدود الله في الأرض؟

آراء

«لقد قتلته تنفيذاً لشرع الله، ولكي أقيم حدود الله في الأرض»، هكذا أجاب عادل أبو النور سليمان، قاتل المواطن المصري القبطي يوسف لمعي، الذي باغت ضحيته بضربة سيف في رقبته، أردته قتيلاً في الحال، وفر هارباً، في واحدة من أبشع الجرائم، التي شهدتها مدينة الإسكندرية بجمهورية مصر العربية الأسبوع الماضي.

القاتل، الذي أقدم على نحر ضحيته أمام محله في الشارع، على مرأى ومسمع من ابني القتيل اللذين كان داخل المحل، يعمل بائع حلويات بموقف فيكتوريا للميكروباص، وشهرته «الشيخ عادل عسلية»، أمي لا يجيد القراءة والكتابة، ويعتنق بعض الأفكار التكفيرية.

وقد قال في التحقيقات، التي أجريت معه بعد إلقاء القبض عليه، إنه استند في عملية القتل إلى فتاوى عدد من الشيوخ، الذين يشاهدهم باستمرار في الفضائيات، ويؤكدون دائماً إباحة دماء المسيحيين، ودماء من يبيعون الخمور والمسكرات، باعتبار أن القتيل مسيحي يملك محلاً تباع فيه الخمور.

وأضاف أنه ما زال مصراً على رأيه، ومقتنعاً وفخوراً بما فعله، ولو لم تنجح محاولته تلك لكررها مرة أخرى، مؤكداً أنه لا يجيد القراءة والكتابة، وأنه يستمد ثقافته الدينية من شيوخ الفضائيات، التي يتابعها باستمرار. وعندما سأله المحقق: ولماذا تصدق هؤلاء الشيوخ؟ أجاب قائلاً: «لأن ما يقولونه مصدق، ولا يمكن تكذيبه».

جريمة جديدة تفتح ملفات قديمة، وتثير أسئلة عديدة حول من المنوط به تنفيذ شرع الله، وإقامة حدوده في الأرض، ومن المسؤول عن إصدار الفتاوى، وإطلاق الأحكام على البشر، وعن حقيقة الدور، الذي يلعبه بعض شيوخ الفضائيات في تضليل بعض من ينقصهم العلم الديني.

ويفتقرون إلى الثقافة الدينية الصحيحة، ما يدفعهم إلى ارتكاب جرائم بشعة، وإذكاء نار الفتن الطائفية بين أبناء البلد الواحد، فهذا الأمي الذي لا يجيد القراءة والكتابة، ويستمد ثقافته الدينية من الفضائيات، وبعض شيوخها الذين يبيحون دماء البشر، ويجيزون لكل من يستمع إليهم تطبيق حدود الله في الأرض.

ما هو إلا مثال صارخ لما وصلت إليه فوضى الفتاوى الدينية في مجتمعاتنا الإسلامية بشكل عام، والعربية على وجه الخصوص، كما أنه مثال صارخ لمدى الجهل والتخلف، الذي وصلت إليه مجتمعاتنا، التي غدت تسبغ الألقاب الدينية على كل من أطلق لحيته، وقصّر ثوبه، حتى لو كان جاهلاً لم يقرأ في حياته كتاباً واحداً في الفقه والشريعة، أو غيرهما من العلوم الدينية والدنيوية، وتمنحه صكاً مفتوحاً، يجيز له إصدار الأحكام، وتنفيذها على البشر دون علم أو بصيرة.

هذه الجريمة تذكرنا بمحاولة اغتيال الأديب الراحل نجيب محفوظ عام 1995، التي نفذها فني إصلاح أجهزة إلكترونية، اعترف بعد ذلك أنه لم يقرأ حرفاً واحداً لنجيب محفوظ، وأنه حاول اغتيال الأديب العربي الكبير تنفيذاً لأوامر أمير الجماعة الإسلامية، التي ينتمي إليها، والتي صدرت بناء على فتاوى الشيخ عمر عبدالرحمن.

وذكر للأديب محمد سلماوي، في حوار أجراه معه، أنه لم يكن يحتاج إلى قراءة أعمال محفوظ، لأنه ينفذ أوامر أمير الجماعة. وعندما أبلغه سلماوي أن محفوظ قد سامحه على جريمته قال: «هذا لا يعنيني ولا يغير من الأمر شيئاً. لقد هاجم محفوظ الإسلام في كتبه، لذا أُهدِر دمه.

وقد شرفتني الجماعة بأن عهدت إليّ بتنفيذ الحكم فيه فأطعت الأمر»! فحين يقرر بائع حلويات أميّ لم يقرأ حرفاً واحداً في الشريعة تنفيذ شرع الله وإقامة حدوده في الأرض، وحين يقرر فني إصلاح أجهزة إلكترونية قتل أديب في قامة الراحل نجيب محفوظ، دون أن يقرأ حرفاً واحداً من أعماله الأدبية الكثيرة، تنفيذاً لأوامر أمير الجماعة، فهذا دليل على أننا نسير دون وعي، وننحدر إلى هاوية سحيقة، ونمشي في طريق لا يعلم إلا الله إلى أين سيقودنا، مع كل الاحترام للمهن، التي يمارسها الرجلان.

وإذا كانت محاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ، التي مر عليها أكثر من عقدين الآن، وجريمة قتل المواطن المصري يوسف لمعي، التي جرت الأسبوع الماضي، مجرد جرائم فردية، فإن ما يحدث من قتل جماعي، من قبل بعض الجماعات، التي تسمي نفسها جهادية.

وتلك الذئاب المنفردة التي أصبحت كابوساً يؤرق حكومات وشعوب الكثير من دول العالم، يعد ظاهرة مثيرة للقلق، وتحدياً يواجه البشرية كلها، بعد تزايد هذه الهجمات في الفترة الأخيرة، وانتشارها خارج حدود الدول، التي تشهد صراعات في منطقة الشرق الأوسط، مثل الهجمات التي تعرضت لها ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة وتركيا وغيرها مؤخراً، فالفاعلون فيها ليسوا من مواطني تلك الدول غالباً.

وإنما مهاجرون وطالبو لجوء إنساني، والضحايا فيها مواطنون وأفراد من دول عدة، لا ناقة لهم ولا جمل في القضايا، التي تتبناها تلك الجماعات والتنظيمات، التي تسارع إلى إعلان تبنيها لها، حتى لو لم تكن مسؤولة مباشرة عنها، والذريعة جاهزة دائماً، وهي تنفيذ شرع الله، وإقامة حدوده في الأرض، ونصرة الدين، الذي يبرأ من مثل هذه الأعمال، ويحرم سفك الدماء، وقتل الأنفس البريئة بغير حق.

واضح أننا نمر بمرحلة ملتبسة وعصيبة، شعارها هو الفوضى. أصحاب الفتاوى القاتلة فيها لا يعرفون دين الله وشريعته، ومنفذو الأحكام الشرعية فيها، كما يدّعون، لا يقرأون ولا يكتبون، والأبرياء وحدهم هم من يدفع ثمن هذا الجهل والتخلف اللذين ابتليت بهما الأمة، حيث تُسفك دماؤهم، وتُزهق أرواحهم، وهم لا إلى هؤلاء ولا هؤلاء ينتمون.

المصدر: البيان