موت الشيخ

آراء

للشيخ ألقاب عديدة، فهو الشيخ والداعية والمحتسب، وهو السماحة والفقيه والعلامة والمفتي والملا، وهو الثقة والصدر والمحدث والمجتهد والمجدد، وهو آية الله وحجته، وهو من صاحب الفضيلة حتى اشتكت من صحبته، وكما أن للشيخ ألقابا عديدة فإن له أيضا ألف معتقد ومذهب، فهو سني وصوفي وشيعي، وهو أشعري وجعفري وحنبلي، وهو إباضي ويزيدي وعلوي، وهو سروري وجامي، وهو شيخ الطريقة الكركرية والتيجانية، وهو من يشنع الشيخ الآخر ويستقبح كل فعاله، ليرد عليه الشيخ الآخر بالتبديع والتفسيق.

للشيخ أيضا العديد من المهام في كل مجتمع يتواجد فيه، فهو قارئ ومأذون أنكحة، وراق شرعي ومصلح اجتماعي، ومفسر أحلام ويداوي بالنفث والكي والأعشاب، وهو أيضا يفك السحر ويبطل العين ويفتي في مسائل الحيض والنفاس وفي العلاقات الدولية، وللشيخ في كل مذهب يتواجد فيه مجموعة متنوعة من الشعائر والطقوس، فيطارد العصاة بدعوى الاحتساب، ويلطم وينوح على الزهراء، ويدور كالدراويش بدعوى محبة الله.

وهكذا ينتشر الشيخ في كل زاوية وتحت كل حجر، وله في كل مسألة رأي رشيد!

إن أصاب فيه نال أجران وتصفيقا، فإن أخطأ فله أجر، تستفتيه المطلقة في عدتها ويستفتيه السياسي في زيارة الوفود، وانقيادا خلف آرائه النيرة تمت أسلمة كل شيء في المجتمع بدأ من البنوك حتى الملابس الخاصة مرورا بالغناء!

الأسلمة باختصار هي أن يتم فعل الشيء كما هو بلا تغيير شريطة أن يذكر اسم الله أولا! وهكذا خلافا لأصحاب السبت باتت أيامنا كلها «سبت»، هكذا أصبح جوهر الإسلام عبارة عن مجموعة جلابيب ومباخر ومسابح ومساويك، من يمتلك هذه المجوعة الفاخرة سيقال له فورا يا «شيخ».

الأسئلة الآن: ماذا سيحدث لو مات هذا الشيخ المتشعب في كل مكان؟ ماذا لو تم الاستغناء عن خدماته؟ ماذا لو أن الشيخ توقف عن تذكير الناس بالله ووجد له عملا يغنيه؟ ماذا لو استيقظنا غدا ولم نجد شيخا يطل علينا في الطرقات والإعلام؟ هل ستتعطل سيارة، أو ستكسر لمبة؟ هل سيغزوننا الأعداء، أم ستداهمنا الأمراض؟ هل سيمتنع الموظف عن الذهاب لعمله، وهل سيمزق الطالب كتبه؟!

في الحقيقة لو مات الشيخ أو تم الاستغناء عن خدماته فلن تتوقف عجلة حياة المجتمعات الإسلامية، لكن هذا لا يعني أن هذه المجتمعات لن تتأثر، سنتأثر حتما لأننا بنينا مجتمعاتنا على منظومة شعائر وفتاوى متشابكة متعارضة في كثير منها، سنتأثر لأن الشيخ حوّل الإسلام السهل اليسير إلى مسألة معقدة ثم حاك على هذا التعقيد كل شيء في المجتمع، وأن نستوعب بعد موت الشيخ أن الإسلام ليس بهذا التشابك والغموض والتعقيد، فستتغير تباعا الكثير من الأمور، ما بين سياسية واقتصادية وتعليمية، وكل ما تم تفصيله على رأي الشيخ.

يقول «مصطفى محمود» -بتصرف-: لا تخدعونا بهذا الزعم الكاذب بأنه لا إسلام بدونكم، الإسلام موجود بطول الدنيا وعرضها، موجود كأعمق ما يكون الإيمان، موجود دون حاجة للتعقيد، فأغلقوا هذا الباب الذي يدخل منه الانتهازيون الماكرون. لقب «شيخ» جذاب لكنه مخادع، يستعمله الكل كحصان طروادة ليدخلوا به إلى البيت الإسلامي من الباب ثم ينسفونه من الداخل نسفا، يلبسون عمامة التقى والصلاح، يحوقلون ويبسملون ويسبحون كأولياء لله صالحين، ينصحون بذكر الله ويحثون على كثرة الاستغفار، لكن كل هذه الأفعال ليست إلا ثيابا تنكرية يتم ارتداؤها لتحقيق أهداف دنيوية لا علاقة لها بالإسلام.

فما الذي سيحدث لو مات الشيخ؟ الجواب: سنكتشف بأن إسلام اليوم ضد الإسلام، وبأن التدين الذي يحث عليه كل شيخ هو تحديدا ما جاء الأنبياء للنهي عنه.

المصدر: الوطن السعودية