موت الصورة…!

آراء

ما الذي يجعلنا نصور أنفسنا طوال الوقت ثم نحتفظ بالصور؟ ربما هو هاجس الخلود؟ فالصورة ماهي إلا تحنيط للحظات فائتة، وكأنها تعيد الحياة بعد الموت، فهي تخلد الحياة وتحفظها، وهي التي تمسح فكرة الغياب، هي رحلة اللاعودة، ألا تكون أنت قبل الصورة، فقط شكلك في تلك اللحظة وربما بعد إضافة فوتوشوب على الصورة فإنك تتلاشى، وقد يكون هنا موت الصورة، وكيف تموت الصورة إذن؟ تموت عندما أغيرها بطريقة مقصودة وكأني أغير الشكل واللون وأحياناً حتى وقت الصورة، هذا الهروب من نفسك هو ليس تخليداً للحظة هو تزييف لها فالصورة تلتقط حسك ونبضك وهي شاهد على كل شيء مر عليك إذا وثقته بالصورة.

 ولكن ماذا لو زيفت الصورة ووضعتها داخل الإطار؟ نعم تزييف الصورة أن تكون شخصا آخر تتمنى أن تكونه وليس صورتك الأصلية كما خلقك الله، ربما هي خيارات فالبعض يحب أن يعدل في صوره فهناك برامج كثيرة ومن أشهرها الفوتوشوب الذي يأكل منك كل وهج الحياة، ومؤخراً فلتر السناب تشات الذي سهل عملية التصوير وستكون الصورة من خلاله مرضية جداً فهي لا تحتاج لخبير مثل الفوتوشوب والبرامج المعقدة، السؤال الممتد لهذا الحديث: ماذا صنعت بنفسك مع كل عملية فوتوشوب على كل صورة، وكأنك هنا تزيف تاريخك ونبضك وروحك، وتكتب تاريخا مزيفا لك فالصورة هي ماضٍ ولكن ليس لها مستقبل، ليس لها ذاكرة لأنك أنت من تصنعها، هي مثل ضيائك وظلامك، وكشجرة جفت، وغصن يبس، فنحن نهرب من ذاتنا ولا نعيها، وعلى الصعيد العام أصبحت ثقافة الصورة هي السائدة الآن فالعالم تحول إلى عالم بصري لصناعة شخص، أو سلعة، وهي سلاح ذو حدين فقد تستخدم لتضليل الرأي العام، أو خدمة أجندات معينة، إن الحديث عن الصورة قد يبدو موضوعا بسيطا، ولكن كمية الصور التي نتلقاها يومياً عبر أجهزتنا، ومن خلال وسائل التواصل من تلفزيون وإذاعة وسينما وإنترنت، أصبحت ثقافة بصرية، ومشحونة برسائل كثيرة موجهة للعقل والعاطفة، وأتفق مع ما جاء به عبدالعالي معزوز في كتابة “فلسفة الصورة” حيث يقول إنه من الضروري، “مساءلة الوضع الأنطولوجي للصورة، مساءلة وجودها وماهيتها، مادامت هي الوسيط الأكثر قوة وشيوعا في العالم المعاصر وأشدها قوة في التأثير في وعي الإنسان ولا وعيه، وهي لا تفتأ تردم الهوة بين الثقافة العالمة والثقافة والجماهيرية، وتكيف رؤيتنا للعالم”، هنا دعوة للبحث في مضامين الصورة ومدى تأثيرها وكيف يمكن أن نستغلها على الوجه الذي يساعدنا في تحسين صورتنا الذهنية للعالم الآخر.

المصدر: الرياض