مُنكر «المناكير» !

آراء

إن كتبت عن «فتاة المناكير» وانتقدت تصرفها فأنت عند البعض «كاتب وطني غيور» متبوعة بـ «بارك الله فيك». أما إن حاولت قراءة أبعاد القصة بوعي لمتغيرات المجتمع، وفهم لثقافة وتفكير الأجيال الجديدة، واجهك البعض بكلمات نابية وسؤال من مثل: تتركون أحداث سوريا وتكتبون عن «المناكير»؟

عند هؤلاء، يصبح نقد هيئة الأمر بالمعروف، وإن تلميحاً، كما لو كان -معاذ الله- نقدا للدين. والجرأة على نقد أي سلوك لموظفي الهيئة هي عند البعض أقرب للمعصية. قيل كثيراً أن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مؤسسة حكومية، مثلها مثل أي مؤسسة حكومية أخرى، ليست فوق النقد ولا تحته. موظفوها بشر، لا ملائكة، فيهم المجتهد وفيهم المقصر، وفيهم من يلتزم بالأنظمة وفيهم من يخالفها.

لماذا يريد بعضنا أن يُلبس الهيئة والعاملين فيها «قدسية» لا تسمح بأي نقد؟ ليس من باب المجاملة أن نُثني على كثير من أدوار الهيئة في مكافحة المخدرات وضبط المبتزين ووقف بعض أشكال «قلة الأدب» في الأسواق والأماكن العامة. وتلك أدوار «أمنية» مهمة تُحسب للهيئة. لكن قصة «فتاة المناكير»، وقصص أخرى مشابهة، تدعونا لفهم آلية تفكير جيل جديد لن يستجيب لخطاباتنا وأساليبنا القديمة. وإن أردنا أن نكسب الأجيال القادمة، ونضمن ولاءها لقيم نؤمن بها ونحرص على استمرارها، فإننا مطالبون أولاً بفهم كيف تفكر الأجيال الشابة. وما هي همومها واهتماماتها.
وكيف نخاطبها.

لا يمكن أن نخاطب جيل اليوم بلغة الأمس. ولا يمكن أن نفرض قناعاتنا وطرق تفكيرنا على الأجيال الجديدة وهي التي نشأت وترعرعت في زمن «الإنترنت» و«الجوال» وقنوات التواصل الاجتماعي.

النصيحة التي يسمعها الآباء كثيراً هي « كن صديقاً لابنك». وإن لم تكن فقد تخسره. ونحن لا نريد أن نخسر أجيالنا القادمة لأن فينا من ينظر «بأدلجة» لكل حراك المجتمع وتطوره!

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (١٧٩) صفحة (٣٦) بتاريخ (٣١-٠٥-٢٠١٢)