حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

ناس مش طايقة بعضها

آراء

يهل علينا الشهر الكريم لتنقلب أحوالنا رأسا على عقب بشكل يزيد عن بقية شعوب المسلمين رغم أننا شعب يكاد يكون كله في إجازة خلال رمضان، إلا أن هذا الواقع لا يمنع ارتفاع مستوى الأدرينالين في شراييننا بشكل جنوني يجعل منها أنابيب قابلة للانفجار لأتفه الأسباب. ربما تكون هناك أسباب بيولوجية إلى حد ما، ولكن هناك أوضاعاً كثيرة غير مواتية تجعل أعواد الثقاب تتكاثر حول مشاريع الانفجار الآدمية على مدار الساعة.

كميات النشويات والدهون التي يتم استهلاكها منذ أذان المغرب إلى أذان الفجر تنقلب وبالا على الإنسان خلال النهار، وإذا أضفنا لها كميات الكافين والنيكوتين التي تنقطع فجأة مع بدء الصيام فإن المسألة تصبح معقدة وخطيرة جدا.

يخرج الناس قبل الظهر غالبا في درجة حرارة كافية لإذابة أي جمجمة في الأحوال الطبيعية، وأما حين تتزامن هذه الحرارة مع الجوع والعطش فالله وحده لطيف بعباده. منذ إدارة محرك السيارة والسير في الشارع يتحول الوضع إلى مواجهة غير محسوبة العواقب مع كل شيء وكل أحد، «الناس مش طايقة بعضها» وكأن كل واحد ينتظر أبسط ما يظن أنه خطأ أو تجاوز لينفجر في وجه الآخر. أي مشوار لا ينقضي إلا بجهد جهيد لضبط الأعصاب، هناك من يستطيعه وهناك من يفشل. الناس في أماكن شغلها، الحكومية على وجه الخصوص، كأنها جاءت ترافقها كل شياطين الكون، لا تقبل طلبا أو تتحمل نقاشا، وتعتقد أن أي مراجع ما جاء إلا ليعكر مزاج الموظف. ثقافة رديئة لم تتغير مع تعاقب الأجيال وتحسن الأحوال، ولذلك فإن التفكير في إنهاء أي معاملة خلال رمضان نوع من العبث وإضاعة الوقت.

أما ساعات الذروة من العصر إلى المغرب فإنه يجب أن تستنفر خلالها كل الجهود الأمنية والمرورية وربما قوات خاصة لضبط الانفلات العصبي في كل موقع. الناس لو رأت تسجيلا لتصرفاتها خلال هذه الفترة بعد أن تهدأ لضحكت كثيرا وخجلت كثيرا. رأينا عباد الله في أكثر من بلد يصومون ساعات أطول وفي ظروف أقسى لكن لم نشاهدهم بالحال الذي نشاهده هنا، نحتاج دراسات لبحث هذه الحالة العصية في شهر يفترض أن تهدأ فيه النفوس وتغشاها السكينة ويشيع بينها التسامح، وكل عام وأنتم بخير.

المصدر: عكاظ