سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

نحن وأميركا.. والكوارث الطبيعية

آراء

مع كل كارثة طبيعية تضرب أميركا، يظهر لدينا وينتشر ذلك الرأي الغريب، الذي يؤكد أن هذا هو غضب الله، وعقوبته الفورية للأميركيين، على سياساتهم الخارجية، وبطشهم، وما يفعلونه في العالم بشكل عام، والعالم الإسلامي على وجه الخصوص!

وليت الأمر يقف عند هذا التحليل «الغريب»، بل إن البعض لابد أن يتبع ذلك بعبارات مثل «يستاهلون»، و«الله لا يرحمهم»، وغيرها من العبارات القاسية الخارجة على الدين والرحمة والإنسانية، والتي تنم عن جهل أولاً، وسوء أخلاق مع الخالق عزّ وجلّ، قبل أن تكون سوء أخلاق مع خلقه!

الأعاصير والزلازل والفيضانات وغيرها من الكوارث، هي تغيرات طبيعية، تتأثر بالمناخ والظروف الطبيعية والجغرافية، ولكل دولة طبيعتها وفقاً لموقعها الجغرافي، ومدى وقوعها في مدار أو خط الزلازل أو الأعاصير، قد تكون فعلاً رسائل إلهية للبشر، لأجل زيادة الحرص، والانتباه لحفظ نعمة الحياة على الأرض، لكنها بالتأكيد غير مرتبطة بعقاب جنسية معينة أو ديانة أو دولة، ولا علاقة لها بسياسات الدول الخارجية، أو جميع التفاسير والمبررات الأخرى الغريبة التي نقرؤها ونسمعها!

شهدت العديد من دول العالم أخيراً عواصف وزلازل ضخمة، تكاد تكون غير مسبوقة، خلّفت أضراراً مادية وخسائر بشرية فادحة، الأمر الذي دفع ببعض المؤسسات البحثية إلى إجراء دراسات علمية، علّها تخرج بنتائج دقيقة، عن السبب الرئيس وراء تكرار تلك الظواهر بهذا الشكل غير المسبوق، على الرغم من أن بعض الدراسات السابقة تعزو الأسباب إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، الذي يشهده كوكب الأرض.

ووفقاً لهذه الدراسات البحثية، فقد جاءت بنغلاديش وإندونيسيا وإيران وباكستان على رأس قائمة الدول الأكثر عرضة لمخاطر «الكوارث الطبيعية»، وأعتقد أن جميع هذه البلدان هي بلدان إسلامية، و«غير كافرة»، وفقاً لتصنيف هذه المجموعة الغريبة من البشر، فهل هي عقوبة وعذاب من الله وقع عليهم بسبب سياسات خارجية أو سلوكيات وتصرفات بعض شعوبها!

ديننا دين الرحمة والإنسانية، ومبادئه تحتم مساعدة الإنسان، بغضّ النظر عن جنسيته وديانته، في حالة الكوارث والأزمات والمِحن، فهو عزّ وجلّ، من قال: ﴿ويُطعِمُونَ الطعامَ على حُبِّهِ مِسْكيناً ويتيماً وأسيراً﴾، ولم يقل مسكيناً مسلماً، ولا يعقل بالطبع أن يكون الأسير مسلماً بين المسلمين، إضافة إلى ذلك فهناك كثير من الآيات والإثباتات التي تعلمنا نحن المسلمين كيفية التعامل مع الآخرين بإنسانية ولطف ورحمة، وألا نبدي الشماتة في الموت أو الدمار، أو نتمنى الهلاك لأي كان، مهما كان عمله وجنسه، فمحاسبة الناس، وتعذيبهم أو رحمتهم، هو عمل الخالق عزَّ وجلَّ، فهو من خلق البشر، وهو الأعلم بتصريف أمورهم، وهو المتحكم بمصائرهم، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يعطي أي إنسان نفسه صلاحية تقرير مصير الناس، أو تفسير مصابهم، بسبب علاقتهم بخالقنا وخالقهم!

ثم لا أعلم كيف تصوّر هؤلاء أن الله، عزّ وجلّ، غاضب على الأميركيين ومن لفّ لفهم، وراضٍ عنّا تمام الرضا، على اعتبار أننا مثاليون في تصرفاتنا وأخلاقنا، ومنزّهون في أفعالنا، وأننا نسمو على غيرنا من شعوب الأرض قاطبة. الواقع أننا لو نظرنا إلى أفعالنا لوجدنا أنه بالحكم على ظواهر الأمور، هناك فئة منا تستحق غضب الربّ، لأنهم لا يتوقفون عن التآمر والقتل، وممارسة الإرهاب ضد بعضنا قبل غيرنا. ولعل إلقاء نظرة بسيطة من حولنا، على ما يحدث في العراق، وسورية، وليبيا، ومصر، والسودان، ومن قبل لبنان والجزائر، يكفي لتبيان حالنا، وما وصلنا إليه.

ثم إذا كان خلافنا محتدماً مع الإدارة الأميركية والحكومات الغربية عموماً، فما ذنب شعوب تلك الدول، خصوصاً أن فيهم ملايين من المسلمين، وفيهم من يحبنا ويدافع عن مصالحنا، ويتبنى مواقفنا ووجهات نظرنا؟! وإذا كانوا كلهم لا يعجبوننا، فلماذا نلهث للسفر والهجرة إلى بلادهم، وشراء منتجاتهم، والاستمتاع بمخترعاتهم؟! لكن هذا الموقف ليس بمستغرب عنا، فنحن أصحاب براءة اختراع في تحميل الآخرين مسؤولية فشلنا، وماركة مسجلة في الازدواجية وانفصام الشخصية!

المصدر: الإمارات اليوم