نصيحة لأنصار الهيئة

آراء

كل قضية للهيئة فيها سهم تكون قضية ساخنة وقضية رأي عام ويحتدم النقاش حولها حد التعارك. ما نخفيه في هذا النقاش أن الهيئة ليست جهازاً حكومياً شبيهاً بالأجهزة الأخرى. ثمة معايير أخرى تسهم في جعل هذا الحوار يتمدد إلى خارج نطاق الحدث الذي أثار القضية. تلك المعايير التي تقع خارج الحدث هي القضية التي تتخفى خلف الحوار وتحركه. لا نرى هذا الاحتدام عندما تشن الصحافة حملة ضد المرور أو الشرطة أو وزارة التجارة كما لا تتوفر فئة معينة تنتصر للمرور أو التجارة أو الشرطة حتى العاملين في هذه الأجهزة يمدون الصحافة بما تريده من معلومات لإنجاز مهمتها التنويرية والأخلاقية. لا يخفي عليك أن المتجادلين حول الهيئة هم نفسهم المتناقضون، في قضايا فكرية معروفة كسواقة المرأة للسيارة أو مدارس تحفيظ القرآن أو الابتعاث أو تجويع الشعب الأمريكي بمقاطعة بضائعه. المدهش في الأمر أن المتحاورين يبردون مع برود القضية. ليضمن لهم رجال الهيئة عودة مرة أخرى إلى التصارع بقضية جديدة. فكل من يستمتع بهذا الصراع على قدر كبير من الاطمئنان أن (الشو) مستمر والتقاذف على وسائل الإعلام لن يتأخر كثيراً.

بصراحة (أنا شخصيا) فقدت الاهتمام بقضايا الهيئة. ليس لأن الهيئة خرجت من دائرة اهتمامي أو أن الأحداث التي تنتجها لم تعد خطيرة ولكن لأنها أصبحت مكررة معادة شبه متناسخة. ما جرى بين البريطاني وزوجته أعاد شيئا من انتباهي بقضايا الهيئة. طرأ على الذروة شيئا غير معتاد. في كل الأحداث السابقة التي أنتجتها الهيئة كانت نهاياتها متوقعة تفتقر للمتعة. لكن في هذه القضية وجدوا أخيراً أن رجل الهيئة يمكن أن يخطئ ويحق له ذلك لأنه بشر. اكبر الأخطاء التي يرتكبها الموالون للهيئة أنهم لا يعترفون بخطأ الهيئة أياً كان هذا الخطأ. في أقصى درجات التنازل يردون خطأها إلى الفردية ولكنهم يبتهجون إذا تمت تبرئة الفرد المخطئ. بمعنى يريدون أن يكون الخطأ مسألة تنظيرية تبقى محصورة في الدفاع عن الهيئة لا تطال رجل الهيئة الذي سبب الخطأ وهذا تصرف غير عادل وغير مقبول. نصيحتي للمدافعين عن الهيئة وخاصة المستبسلين منهم أن يكونوا على قدر من الشجاعة أن يسمحوا بتخطئة الهيئة. هذا لا يعني أن يسمحوا بتخطئة الهيئة على كل خطأ ترتكبه وإلا لانتقلوا إلى جبهة المعادين لها في ثاني أسبوع وإنما يكونوا على قدر من الانتقائية الذكية. عليهم السعي إلى حصر الخطأ في ذاته. دفاعهم المستميت عن كل خطأ يجعل خصوم الهيئة لا يكتفون بمناقشة الخطأ النشط ولكن استحضار الأخطاء السابقة الموجعة مهما تراكم عليها من أخطاء لا حصر لها.

صحيح أن الصراع ليس على الحدث الذي أذكى جذوة الجدل ولكن على الكيس الذي تتجمع فيه القضايا المذكورة أعلاه (الابتعاث، تحفيظ القرآن، الخ) بيد أن إصرار أنصار الهيئة على تنزيه رجالها والدعاء لهم بالنصرة والتمكين على كل خطأ يجعل استدناء الكيس وفتحه وربط الخطأ به امرا سهلا. يذهب الدعاء بالتمكين لمصلحة خصوم الهيئة وليس لرجال الهيئة.

أقول قولي هذا لا بصفتي لاعبا أساسيا بعد تقاعدي المبكر ولكن بصفتي عضوا في لجنة الحكام المتخيلة لهذا التصارع الذي لن يتوقف إلا بالبحث المتأني في كامل محتويات الكيس المشار إليه أعلاه.

المصدر: الرياض