سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

نموذج محمد المر في وسائل التواصل!

آراء

مستمتع جداً بمتابعة ما يرسله الأخ العزيز الأديب الإماراتي محمد المر، إلى رسائل الـ«واتساب»، اختيارات متميزة جداً، معلومات ثقافية وتاريخية واجتماعية وأدبية منوعة، لا يمكن أن يرسل المر صورة لمكان أو أشخاص أو لوحات فنية دون أن يرفقها بمعلومات وافية، جميعها موثقة، إن لم تكن من المصدر مباشرة، فهي من عصارة خبرته الواسعة التي تعادل، دون مبالغة، مكتبة عامة.

جولاته الأخيرة في لندن جعلتنا نشاهد ونسمع عن متاحف ومسارح وأماكن تاريخية وسياحية لم نسمع بها من قبل، بل أكاد أجزم أن معظم الإخوة العرب الذين يتردّدون على لندن منذ السبعينات لم يسمعوا عنها، ذائقته الأدبية تشمل كل شيء، وهو لا يضيّع وقتاً لا يستفيد منه في إثراء معلوماته، وإشباع رغباته الثقافية، لقد فاجأني في زيارة قام بها لمعرض مخصص لفن رسوم أغلفة الكتب، والرسوم التوضيحية في الكتب، في معهد «كورتوولد» الفني، ونقل في هذه الزيارة مجموعة رائعة من رسوم أغلفة الكتب، وزار معرضاً خيالياً آخر عن تصور الفنانين والمصممين لأزياء 2026 في إفريقيا تحديداً، وهذا المعرض الفني مشترك بين مصمم أزياء إفريقي ومصور فوتوغرافي، وزيارة ثالثة له لمعرض فني في متحف الـ«ناشيونال بورتريت غاليري»، وهو مخصص للفنان الأميركي ليون غولب، الذي عرف برسومه عن زعماء وسياسيي العالم، وتأثر سلباً أو إيجاباً بسياساتهم مثل هنري كيسنغر، وفيدل كاسترو، وماو تسي تونغ، وجيسكار ديستان، وياسر عرفات!

ولا أعتقد أن هناك حدثاً فنياً أو ثقافياً أو أدبياً عقد في لندن في فترة زيارته لم يزره، والأجمل أنه يبث كل تفاصيل الزيارة موثقة بالصور والمعلومات، عبر رسائل مختصرة عن طريق الـ«واتساب»، وبذلك فهو ينشر المعلومات وينشر الثقافة، ولا يكتفي فقط بالاستمتاع بها بمفرده، وهذا ما يحسب له.

الهدف من الحديث عن «مبادرة» محمد المر الشخصية، إن صح التعبير، ليس كيل المديح لشخصه الكريم، بل لإلقاء الضوء على استخدام التقنية ووسائل التواصل بشكل قيم ومفيد، وتقديم نموذج وتجربة حية لكيفية العمل من أجل المنفعة العامة لا من أجل حب الظهور، كيفية الانتفاع الإيجابي من الانتشار الواسع لهذه الوسائل، ونفع الناس بها، وكيف يمكن للإنسان أن يكون وسيلة لنشر الثقافات والأدب والمعلومات المفيدة، في وقت يعج به عالم التواصل الاجتماعي بأمثلة ونماذج سيئة وسطحية تنشر البذاءات، والتفاهات، وتعيث في هذا الوسط فساداً وإسفافاً!

مثال محمد المر يثبت أن الفضاء مفتوح للجميع، وعلى كل إنسان أن يختار طريقه الذي يريد، وفقاً لأخلاقه وثقافته وتربيته وقيمه التي يؤمن بها، وفي المقابل على كل إنسان أيضاً أن يختار من يتابع، فالأمثلة والنماذج السيئة ستظل سيئة، ولكن العاقل من يدرك أن المتابعة أحياناً أسوأ من جرم أولئك السطحيين، ومتابعتهم تشجيع لهم على استمرارهم في نهج التفاهة والسطحية، فلِمَ نلومهم هم فقط؟ ولا نلوم أنفسنا حين سمحنا لهم بأن يكونوا نماذج، منحناهم الشهرة والمتابعة المستمرة، ليمنحونا كل ما هو دون مستوى القبول!

وبالمناسبة هناك الكثير من الحسابات الهادفة، والناشطين المميزين في وسائل التواصل الاجتماعي، اختاروا طريق نشر العلم والمعرفة، ولكن للأسف الشديد، السطحيون هم الطاغون، وهم المؤثرون، ليس لأنهم يبذلون جهداً أكبر، بل لأنهم يبتذلون بشكل أكبر، فهل يعني ذلك أن هذه الوسائل تتحوّل بسرعة لتكون وسائل ابتذال أكثر منها تواصل اجتماعي؟!

المصدر: الإمارات اليوم