محمد النغيمش
محمد النغيمش
كاتب متخصص في الإدارة

نهضتنا ولغتنا

آراء

وأنا أشارك أمس متحدثا في فعالية اليونيسكو بباريس للاحتفال بيوم اللغة العربية تذكرت ذلك الفيديو الذي أفحم فيه أستاذ أكاديمي أجنبي طالبة عربية اتهمت الغرب بأنهم هم السبب في عدم توحد العرب!

وبعد أن أنصت إليها بأدب جم قال بصراحة وحرقة ما ملخصه بأنه ليس هناك أحد في العالم يستطيع أن يقسمكم سوى أنفسكم. فطالما أنكم تهدرون أوقاتكم في المقاهي والطرقات وتتنابزون بالألقاب ثم تلقون باللائمة على الغرب فلن يصلح حالكم. أنتم محظوظون لأن عددكم نحو 350 مليون نسمة في 22 دولة تجمعكم لغة عربية واحدة وثقافة متشابهة وإله واحد. نحن الغربيين نتحدث 150 لغة واستطعنا، رغم الاختلاف الشديد، أن نتوحد تحت لواء اتحاد أوروبي.

والمنصف المتأمل في كلامه يجد فيه الكثير من الصواب. فما الذي منع أمة عربية تتحدث لغة واحدة من الانصهار في بوتقة واحدة والنهوض بعد تعثر. هناك أمم نهضت من عدم وجمعت من شتات مثل اليهود الذين أسسوا كيانا وأحيوا لغة تخاطب كادت أن تندثر (العبرية). فأضحت اليوم تترجم إلى قرائها أحدث الدراسات والمعلومات والأخبار. وتصدرت جامعاتها قائمة أفضل المنظمات التعليمية في العالم في حين أن أفضل جامعاتنا ما زالت بعيدة عن طليعة دور العلم.

تخلفنا ليس بسبب لغتنا، بل لأننا نحن الذين لم نستفد من هذا الإرث العظيم في نقل أفضل العلوم من العالم المتقدم إليها ثم مد جسور التواصل بين 22 دولة لبناء منظومة اقتصادية وتعليمية وعسكرية متكاملة من المحيط إلى الخليج شعارها شعب عربي واحد ولغة واحدة.

يصعب أن تنهض أمة بمعزل عن الاهتمام بلغتها التي تضم إرثها وتاريخها. وهناك أمم ما زالت تعتز بلغتها مثل الفرنسيين أو الألمان الذين يفهم كثير منهم الإنجليزية التي نخاطبهم بها لكنهم يصرون باعتزاز على التحدث بلغتهم ولم يعتبروا ذلك «تقوقعا» لأنهم غذوا أنفسهم عبر هذه اللغة بأحدث ما توصلت إليه البشرية من علوم وآداب ووضعوا خطة واضحة المعالم للارتقاء بالنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي كل ذلك عبر لغتهم.

اللغة وسيلة مهمة للتخاطب وتحريك الشعوب واستنهاض الهمم عبر القادة الملهمين الذين يجب أن يضعوا نصب أعينهم دوما أن هويتنا ونهضتنا مرتبطة بمدى اهتمامنا بلغتنا الجميلة التي تستوعب كل جديد.

المصدر: الشرق الأوسط