حمود أبو طالب
حمود أبو طالب
كاتب سعودي

هامات النخيل ..هامات الوطن

آراء

فعلا، رب ضارة نافعة. فالدم الذي سفحته أيادي الجهل والغدر والخسة والوضاعة في تلك القرية الوادعة في أحسائنا الجميلة تحول إلى إكسير في عروق الوطن، استنهض فيه قيما نبيلة وأصيلة ظن البعض أنها لم تعد موجودة، أو أنها ستتحول إلى عكسها عندما اعتقدوا أنهم أشعلوا شرارة فتنة تحقق لهم أمانيهم المريضة بعدما أطلقوا الرصاص على صدور الأطفال والشباب الأبرياء. لقد ظنوا وخاب ظنهم، وحلموا وتبدد حلمهم، ومكروا لكن مكرهم ارتد عليهم وبالا، فأصبحوا ما بين معفر بالتراب أو في يد العدالة التي ستقتص منه وتطبق عليه عدل السماء.

لولا أن الحادثة أزهقت أرواحا بريئة لقلنا إننا كنا بحاجة هذا الاختبار، ولولا أنها مؤلمة وبغيضة لقلنا إننا كنا بحاجة تمحيص كهذا لمعدن الوطن وحقيقته الكامنة تحت القشور والمظاهر التي صنعها ولونها واستغلها المزايدون عليه والعابثون به من الذين نصبوا أنفسهم وكلاء الله في الأرض وسدنة الإسلام الوحيدين وموزعي صكوك الإيمان والتقى على البشر. كنا في حاجة إلى «خضة» تنبه الغافل وتحذر المتساهل وتعيد الأبصار إلى محيطها لتتفحصه جيدا وتعرف ماذا يراد له من ضرر ويحاك له من سوء، ولكي نعرف مدى الخراب الذي ألحقه بنا من استمروا زمنا طويلا ينفخون في كير الفتنة دون خوف من الله أو حرص على الوطن.

كان يوم الجمعة في قرية الدالوة يوما وطنيا بامتياز، أجمل ما فيه تلقائيته وعفويته وصدق مشاعره. نعم كان الحزن حاضرا، لكن كان هناك ما هو أقوى وأجمل وأنبل من الحزن، كان الوطن هو المظلة التي زحف الجميع تحتها في مسيرة لم نشاهد مثلها من قبل. ما أجمل أهلنا في الدالوة وهم يرفعون صورة الشهيدين «العنزي» و«الرشيد» مجللة بالورد مع نعوش أبنائهم المغطاة بعلم الوطن، وما أجملهم وهم يحتفون رغم الحزن بكل الذين شاركوهم من مختلف أرجاء الوطن، جموع لا حصر لها جاءت من تلقاء نفسها تؤدي واجبها الإنساني والوطني. كل المناطق تقريبا حضرت، فهل هناك وحدة وطنية أجمل من هذه؟.

كانت كل دماء الوطن تمتزج في واحات الأحساء ذلك اليوم، وكانت هامات نخيلها تمثل هامات الوطن في كل مكان. كل القلوب النقية حضرت أو عبرت عن صدق مشاعرها عندما لم تستطع الحضور. الغائبون تماما كانوا أولئك الذين خيب الوطن ظنهم عندما أرادوا له الفتنة فانتصر عليهم.

المصدر: عكاظ

http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20141110/Con20141110733829.htm