هكذا ركعت رويترز!

آراء

«هذه الحملة وراءها علي محسن.. لا بل تدعمها قناة الجزيرة بتمويل قطري.. المؤكد إن من قادها مقربين لصالح»… هذا جزء من الاتهامات التي أطلقت ضد حملتنا «رويترز في جيب الحكومة» وبالإنجليزي «Shame on Reuters عيب على رويترز».

رأيت أولا خبر التشكيك في نوايا القائمين على الحملة لدى العديد من الصحفيين منهم صديقة عزيزة لي ليس لها أي نشاط في عالم تويتر ولا تعرف بخلفيات القصة.. عندما أجبتها بأن من وراء الحملة ضد عمل مراسل رويترز مترجماً للرئيس صالح وسكرتيراً خاصاً هو أنا وناشطين شباب آخرين على صفحات تويتر ..

كانت إجابتها: «لا يمكن ذلك .. لماذا ستلتفت رويترز لليمن؟ منذ متى رويترز تهتم باليمن.. الأكيد إن هناك هدف غير نزيه من وراءها!». طبعاً هذا الرد آلمني كثيراً واعتبرته استخفاف بقدراتنا نحن الشباب.. خاصة أني أعلم تماماً كيف بدأت الحملة من الألف للياء، ومن كان معها ومن ضدها ومن شارك فيها فرداً فرداً.. ورأيت كيف كبرت أمام عيني تغريدة صغيرة في تويتر إلى أن أصبحت خبراً كبيراً على صفحات الواشنطن بوست ونيويورك تايمز الأمريكيتين.

هذا الحملة قام بها مجموعة من ناشطي تويتر.. هؤلاء الناشطون ليس لهم علاقة بأي حزب ولا منظمة ولا أي بلد خارجي .. هم مجرد يمنيون يحبون وطنهم من داخل الوطن وخارجه، يسهرون الليل منذ بداية الثورة لإيصال أخبارها بعدة لغات إلى الإعلام الدولي.. هؤلاء الناشطون لم يفكروا بشهرة ولا بسلطة ولا أي مردود غير أن يخدموا اليمن..هؤلاء آمنوا بالثورة اليمنية وأحزنهم أن يروا النساء تقتل بطريقة بشعة وهن يؤدين الصلاة في ساحة الحرية بتعز، في حين اكتفى الإعلام بالكتابة عن أن ما حصل كان مجرد «اشتباكات».. هؤلاء أحزنهم أن يبحثوا في صفحات الصحف العالمية لعل وعسى أن يقرأوا عن شهداء الثورة السلمية ولكنهم لم يجدوا إلا أخباراً تتحدث عن القاعدة وخطرها وأهملت مئات الآلاف الذي خرجوا من بيوتهم منذ 9 أشهر وهم ينادون بالديمقراطية والحرية والعدالة ولا مجيب..

أهملت وسائل الإعلام أولئك الذين ينادون بالسلمية رغم انتشار السلاح في اليمن، ورغم الفقر، ورغم الأمية .. أهملت شعب أراد أن يكون مثل غيره من الشعوب ويطالب بحقه في الحياة.. وكان السؤال: لماذا أهملنا الإعلام؟ هذا ما كنت اسأل نفسي مرارا وتكرارا…لماذا يهملوننا؟

هل لأننا أفقر من غيرنا؟ هل لأن ليس لدينا بترول يطمعهم في دخول اليمن؟ هل لأن لدينا تنظيم القاعدة؟ ولنفترض ذلك… أليس من الأولى ان تقف الحكومات مع الشعب الذي ينادى بالحرية وان تثق بأنه هو الذي سيحارب كل ماهو طائفي او إرهابي.. لماذا لا تتيح لليمنيين الفرصة..ألم يثبتوا كل هذه الأشهر بأنهم شعب يستحق الاحترام والثقة.. نحن لسنا شعب همجي كما يصورنا الإعلام.. لو كنا همجيين كنا خرجنا لقتل بعضنا البعض في الشوارع ولا يمنعنا شيء من هذا.. لدينا السلاح ولدينا كل الإختلافات في الإتجاهات التي تتيح حصول هذا..ولكن مع ذلك يصر اليمنيون على ان لا تصل البلد الى الحرب وتراهم يخرجون مئات الآلاف من كل المحافظات وينادون «سلمية سلمية» ..اين العالم منهم ولماذا لا يراهم؟ الجواب هو «الإعلام الدولي ومراسليه»..

نعم, هذا الإعلام يحرك العالم اذا لم تكونوا تعلمون..هذا الإعلام يجعل الشعوب تتعاطف مع ثورة او تكرهها او لا تكترث بها..هذا الإعلام هو ما يحرك الشعوب ويجعلها تضغط على حكوماتها.. في حالة اليمن للاسف الشديد «الإعلام في جيب الحكومة».. يخرج تقاريره من مصادر حكومية..هذا الإعلام الدولي هو ما يقرأة العالم ..العالم لا يقرأ صحفنا ولا يتابع برامجنا..العالم يستقى أخباره من أكبر مصادر الاخبار الدوليه والتي من أهمها كوكالة رويترز..

سأحكي لكم كيف بدأت حملة رويترز التي جعلت من أكبر صحف العالم مثل النيو يورك تايمز وواشنطن بوست تتصدر صفحاتها عناوين مراسل رويترز في اليمن الذي يعمل مترجماً في الوقت نفسه مع صالح.

شخصياً لم أكن أعلم شيء عن مراسل رويترز، ولكن القصة بدأت حينما أخبرني أحد المعارضين، وبطريقة عابرة، إن مراسل رويترز هو المترجم الخاص بالرئيس..حينها ذُهلت وما أذهلني أكثر انه قالها وكأنها حقيقة طبيعية لا تثير الإستغراب!

سألته ما اسم المراسل فقال لي الإسم فكتبته..يومها حدثت مذبحة تعز..انشغلنا بهذا الحدث ورؤية جثث الأطفال والنساء والرجال في الفيديوهات…والطفله التي يتحرك الحجر عند رؤيتها تبكي وتقول «مشتيش اموت».. ودمعت عيوننا ونحن نرى المرأة التي تأخذ دم أخيها مقطوع الرأس لتكتب على الجدار «إرحل» ..هذة المناظر المؤلمه لو كانت حدثت في دولة أخرى لقامت الدنيا ولم تقعد..ولكنها حدثت في اليمن.. حيث لا يرى الإعلام الدولي هذه المشاهد أو بالأحرى لا ينقلها.

فعندما تأتي لتقرأ الأخبار عن اليمن لا ترى سوى الحديث عن القاعدة واشتباكات وان الرئيس اليمني عازم على الرحيل..هذا فقط ما تراه.. وبذلك يهدأ العالم ويرى ان اليمن ليس فيها ثورة وانما خطر القاعدة وطرفين يخوضان صراعاً مسلح ورئيس عازم على الرحيل قريبا.. أين من ماتوا أين من قتلوا؟ لا أحد يذكر هذا…

وأنا اقرأ هذه الأخبار تذكرت مراسل رويترز ..وكيف انه من غير المقبول ان يكون صحفي يعمل لدى شبكة إعلامية عالمية تدعي الحيادية مثل رويترز، وفي الوقت نفسه يتولى منصباً حكومياً حساساً ومقرباً من رأس النظام في هذه البلد…ففكرت أن انشر الخبر، وفي عالم تويتر – لمن لا يفهم – هناك أشخاص يصل متابعيهم لمئات الآلاف وربما ملايين..هؤلاء تأثيرهم الإعلامي مثل اكبر صحيفة عالمية.. فالخبر ينتشر سريعا ويراه هذا الكم الهائل من المتابعين في كل مكان..

بعد ذلك كتبت لديما الخطيب، وهي صحفية معروفة، ويتابعها أكثر من 70 ألف شخص، وأخبرتها: هل تعلمين أن مراسل رويترز باليمن هو مترجم صالح، فكان رد فعل ديما محفزاً لي أكثر على النشر، إذ تفاجأت جداً هي الأخرى بهذه المعلومة ولم تصدق الخبر.. ومن ثم بدأ بقية الناشطين اليمنيين بالتدخل، فمنهم من استغرب اهتمامي وجهلي من عدم معرفة هذا الأمر من ذي قبل، وأنه شيء عادي لا يستحق الاهتمام، بينما استنكر آخرون الأمر وأيدوا فكرة الحملة، فمنهم من اهتم بجمع معلومات أكثر وأضاف أن محمد صدام عين في 2009 سكرتيراً في مكتب الرئاسة.. وهناك من اتخذ موقف الحياد لعدم اقتناعه بالفكرة.

وهكذا بعد ان تأكدت ديما ان الخبر صحيح كتبت في صفحتها عن الموضوع..فكبر الموضوع أكثر، وكان للمدون اليمني مروان المريسي دور في نشر الخبر على صفحات تويتر، بينما كتبت ناشطة يمنية ومدونة مغتربة بالإنجليزية وأنا كتبت في مدونتي وناشطة ثالثة نشرت في جلوبل فويس، والناشط طه عبده قام بإنشاء الصفحة على الفايس بوك..وشاركنا شباب الفايس بوك في ارسال رسائل الي ايميلات صحفيين في شبكة رويترز..

وهكذا بالعمل الجماعي فجأة رأينا الكثير يكتبون يمنيين وغير يمنيين, وذلك لأن الموضوع غير مقبول في العالم كله وليس كما نظن نحن بأنه شيء مقبول وذلك نتيجة لتعودنا على وجود الفساد في كل شيء.. بعدها عمل مروان المريسي على التواصل مع الإعلام وكانت البداية على قناة فرانس 24 في برنامج اصوات الشبكة والذي تحدثت فيه عن الحملة وشرحت كيف بدأت ولماذا?

قناة فرانس 24 برنامج أصوات الشبكة، تواصلت مع رويترز ولكني لم اعرف بذلك الا وانا اشاهد التقرير ومع اني كنت فرحانه بأن حملتنا انتشرت إعلاميا إلا أني شعرت بالخذلان وانا أرى رد رويترز البارد والمتغطرس على القناة الفرنسية.. إذ كان الرد بأن مراسلهم يعمل باليومية وهم يثقوا فيه منذ سنين وأن تاريخهم فوق المئة سنة.. كان هذا الرد الشبيه بكلمة «من أنتم» التي قالها القذافي..

حينها فقررنا أن نجعل الحملة أقوى وتحمس الشباب اكثر للكتابة وكتبت ديما الخطيب ونشر سلطان القاسمي (كاتب معلق على الأحداث خاصة الربيع العربي نشرت له العديد من المقالات في صحف عالمية ويتابعة 83,626 شخص) على مدونتة نص مترجم عن رد رويترز لبرنامج أصوات الشبكة على قناة فرانس 24..بالإضافة الى اننا طلبنا من الشباب في الفايس بوك ان يرسلوا رسائل لرويترز… ولكن ما جعل رويترز تستسلم هو رؤية خبر الحملة في أكبر الصحف العالمية مثل الواشنطن بوست والنيويورك تايمر، ولولا أن عمل صحفي ما مراسلاً لوكالة أنباء عالمية ومترجماً في الوقت نفسه مع رئيس دولة، فضيحة كبيرة، لما لاقى مثل ذلك اهتماماً من قبل أشهر الصحف الأمريكية.

وعندما أدركت رويترز أن فضيحتها بدأت تكبر وتصل إلى العالم الذي يعرف قدر أهمية ارتكاب هذه الشبكة الإعلامية لخطأ فادح مثل هذا، فقد اضطرت في نهاية المطاف أن تستغني عن المراسل التي قالت عنه في البداية إنه يعمل معها منذ سنين ا ، واعتبرت أنه ليس من حقنا التشكيك فيهم بعد 160 عاماً، وأعلنت لاحقاً الخبر في الصحف بأنها لن تتعامل أبداً مع مراسل يعمل مع الحكومة.. وبذلك نكون قد أوصلنا صوتنا بأن اليمن لا تغطى إعلامياً بشكل منصف.. وهكذا انتصرت حملتنا.. وركعت رويترز.

المصدر أونلايـن