عائشة سلطان
عائشة سلطان
مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان

هل انتهى زمن القراءة؟

آراء

هناك من الناس من يؤمن بأن زماننا هذا لم يعد صالحاً أو مواتياً للقراءة، ويقصدون بأن ظروف الإنسان (وليست أمواله) لا تعينه على ممارسة القراءة التي تحتاج إلى ترف الوقت كما تحتاج إلى الراحة والسكون والتخلص من كل رغبات اللهاث وراء النزعات والاحتياجات اليومية والدائمة! ي

عتقد هؤلاء أن زمن القراءة الرومانسي قد ولى إلى غير رجعة، وأن القراءة كشغف وكنزعة مثالية لم يعد من السهل إقناع الناس بها، فكما تغير كل شيء في حياة الإنسان كثيابه وأنماط علاقاته وموجهات فكره، فإن القراءة واحدة من الكلاسيكيات الكبرى التي من الصعب استعادة أجوائها هذه الأيام!

إلا أن كل ما يذكره هؤلاء الناس يمكن أن يكون سبباً وجيهاً لحتمية استمرار القراءة وجماهيريتها على الدوام، فنزعة الإرهاب والعنف – مثلاً – عند كثير من الجماعات، وتحول هذا الإرهاب إلى سمة عالمية، لا يعني نهاية عصر الإنسان وبزوغ عصر الوحش، ولا يعني تسليمنا للخراب، بل يعني ضرورة العمل لأجل السلام والسلم العالمي والدفاع بقوة عن حقوق الأطفال والنساء والمشردين والجوع و…!

لا يمكن أن تصل الإنسانية إلى الإيمان بفكرة نهاية زمن القراءة، فطالما بقي الإنسان على الأرض سيظل شغف المعرفة يراوده، وطالما بقي كتاب على وجه الأرض سيتوق الإنسان بفضوله الفطري إلى لمسه وفتحه وقراءته.

لقد كتب الروائي العظيم (يوسا) مرة إجابة عن هذا السؤال: هل من ضرورة لأن نقرأ الأدب؟، قائلاً: لا شيء يحمي الإنسان من الغباء والكبرياء والتعصب والتمييز الديني والسياسي والقومي أفضل من قراءة الأدب! يؤمن (يوسا) أن قراءة الأدب العظيم والرصين في غاية الضرورة لأنه يؤكد أن الرجال والنساء من كل الأمم متساوون بشكل أساسي.

وأن الظلم بينهم هو ما يزرع التفرقة والخوف والحروب، وأنه لا يوجد من يعلمنا ذلك أفضل من الأدب، يكشف لنا هذا الأدب أنه رغم الفروق العرقية والاجتماعية، إلا أن الجنس البشري ثري ورائع وقادر دائماً على التعايش وتبادل المعرفة وبناء أعرق الإنجازات ولا يوجد مثل الأدب لكي يمجد هذه الفروق بوصفها مظهراً من مظاهر الإبداع الإنساني.

نحن نقرأ لتتحول الكتب في داخلنا الى خميرة صالحة لزيادة عجيننا الإنساني ولتتفاعل داخلنا، تزيدنا وتعيد تشكيلنا في مصهر الحياة، لتحولنا إلى أشخاص جميلين كقطع حلوى أو كخبز طازج وشهي، وبالفعل يصير القارئ شخصاً مختلفاً حين يداوم على القراءة، يصير شخصاً أقرب للعقل وللروح وللذوق، يصير واسعاً كمحيط، وهادئاً كبحيرة.

وخاصة حين يعيد انتاج ما قرأه من كتب على شكل ثقافة وسلوك وتعامل إنساني عظيم! قراءة الأدب أمر ضروري، والفلسفة والدين والتاريخ والجغرافيا البشرية وانثربولوجيا الثقافة والسياسة.. ماذا أيضاً؟ مواضيع المعرفة تشبه الكون ولا نهاية لحدود القراءة!

المصدر: صحيفة البيان