عرفان الحسني
عرفان الحسني
باحث وكاتب اقتصادي

هل ستنتهي أزمنة النفط الشرق أوسطي؟

آراء

تناقلت وسائل الاعلام العالمية مؤخراً نبأ اعتزام الحكومة الأمريكية تحرر بلادها تماماً من الاعتماد على نفط الشرق الأوسط وسائر الدول الأجنبية الأخرى بل وتصدير بقدر ما كانت تستورده من نفط والذي يصل الى 10 مليون برميل يومياً بحلول عام 2030. ودعمت هذه الأنباء دراسة لشركة(bp) البريطانية المعروفة والتي أشارت الى أن التوسع الحاصل في انتاج الولايات المتحدة من الغاز الصخري وبمعدل 2.1% سنوياً وبتكاليف منخفضة سيقلل من وارداتها النفطية الى مستويات تعود لأكثر من ربع قرن، معلنة بزوغ حقبة “الأكتفاء الذاتي” الأمريكي. كما يشير تقرير “آفاق الطاقة العالمية 2012” الذي تصدره منظمة الطاقة الدولية بأن الولايات المتحدة ستتفوق على روسيا في انتاج النفط في عام 2015، كما ستتجاوز السعودية كأكبر منتج للنفط في العالم قبل عام 2020.

وتذهب مصادر أخرى لأبعد من ذلك، حيث تؤكد أن نصف الكرة الأرضية الغربي سوف لن يستورد قط من نصف الكرة الأرضية الشرقي بحلول عام 2030، وستتحول جهة الطلب على النفط الى عملاقي آسيا –الصين والهند- واللتان ستزداد وارداتهما النفطية -لاسيما في ظل ارتفاع مستوى دخول طبقتها الوسطى- على نحو تكادا تعوضان النقص المتوقع في طلب شمال أمريكا على الطاقة. ويصف أحد خبراء منظمة الطاقة الدولية هذه التغيرات في صناعة الطاقة العالمية بأنها “الأكبر” منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى نحو أدق، وطبقاً للتقارير الدولية، فرغم توقع استمرار الطلب العالمي على النفط خلال السنوات القادمة، الاّ أن المهم هو معدل نمو هذا الطلب حيث يتوقع أن يشهد انخفاضاً عما كان عليه خلال العقد الماضي، ويقدر معدل استيراد النفط المكافىء العالمي بـ 6 مليون برميل يومياً مقارنة بـ 12 مليون برميل في نهاية عام 2008، أي سينخفض بمقدار النصف. من هنا، فأن التساؤل الذي يفرض نفسه هو ما هو الأثر الصافي لتغيرات قوى الطلب العالمي على النفط الخليجي؟

والواقع أن الاجابة الشافية لهذا التساؤل المركزي لاترتبط بالتغيرات “الكمية” التي ستطرأ على الصادرات النفطية الخليجية فحسب بل في التحول الدراماتي في خريطة صناعة الطاقة العالمية وخاصة في شمال أمريكا لاسيما في ظل التطور الهائل التي تشهدها هذه المنطقة من العالم في مجال ترشيد الطاقة. ومن يدري، فلربما تنتقل حمى تكنولوجيا انتاج “النفط غير التقليدي” الى مناطق أخرى من العالم المستوردة الصافية للطاقة.

وعلى أية حال، يبدو لنا أن هذه الأخبار لم تأخذ استحقاقاتها من قبل وسائل الاعلام في الدول النفطية العربية بعامة ودول مجلس التعاون الخليجي بخاصة وسائر الأوساط النفطية الخليجية في وقت لاتزال الولايات المتحدة تشكل أكبر مستورد للنفط في العالم متجاوزة كل من الصين واليابان، سيما وأنه في عام 2005 استوردت أمريكا من النفط لسد 60% من حاجتها من الطاقة. وينطبق الحال أيضاً على الدول الغربية التي ما أنفكت ماكنتها الصناعية تعتمد على النفط الشرق أوسطي منذ عقود، وأن السعودية هي ثاني أكبر مصدر للنفط الى الولايات المتحدة بعد كندا وبواقع 1.5 مليون برميل يومياً.

ولاحاجة للتوقف طويلاً لتحليل آثار التغير الحاصل في صناعة الطاقة العالمية على مستقبل الاقتصادات الخليجية. فرغم التطور النسبي الذي شهدته دول المجلس على صعيد التنويع الاقتصادي (وكما هو الحال قطاعات التجارة والسياحة والخدمات المالية بالنسبة للامارات، والصناعة بالنسبة للسعودية، والاستثمارات القطرية الضخمة في الخارج) فلاتزال الطاقة تستأثر بحوالي نصف النواتج المحلية الاجمالية لهذه الدول، كما أنها تشكل مكوناً أساسياً في موازناتها العامة وفي برامجها التنموية. فباستثناء الامارات التي استطاعت بالفعل تقليل اعتمادها على النفط الى حدود 29% في السنوات الأخيرة فإن سجل أداء بقية دول المجموعة في هذا المجال كان مخيباً للآمال. فمثلاً، القطاع النفطي في السعودية يشكل ما لا يقل عن ثلث الناتج المحلي الإجمالي وازدادت هذه النسبة لتبلغ 45% أي يقترب من نصف الاقتصاد مع الارتفاع الحاصل في أسعار النفط في الآونة الأخيرة. وتنطبق الأمر على الكويت والتي يسهم النفط في أكثرمن 90% من الإيرادات العامة. وفي قطر يسهم النفط والغاز بـ 46% من إنتاجها الاجمالي، وحتى في البحرين التي تفتقر إلى الطاقة مقارنة بجيرانها فإن هذه النسبة تصل إلى 25%، وفي سلطنة عُمان الى 50% وتبلغ الإيرادات النفطية قرابة 76% من اجمالي الإيرادات. من هنا، فأن الانحسار الذي سيحصل –قريباً- في طلب النفط من قبل شمال أمريكا مقابل سعي هذه الأخيرة في تصدير الفائض من انتاجها النفطي سيعرض الايرادات النفطية الخليجية الى تقلبات تميل نحو الانخفاض، وبالتالي ستشهد المشاريع التنموية الخليجية الطموحة اختناقات خطيرة في ظل تبعيتها الى “الدولارات النفطية” وعلى نطاق سعري مرتفع يتراوح ما بين 85-90 دولار للبرميل. ولعل من المناسب منطقياً أن يجري التساؤل الآن عما إذا كانت الحقبة النفطية السابقة (إبان سبعينيات القرن  العشرين) والحالية (العقدين الماضي والحالي) قد أثمرت عن تحول دول الخليج الى اقتصادات قادرة على الاعتماد على نفسها ووصلت الى مرحلة الانطلاق في مضمار تقدمها الاقتصادي والتكنولوجي، وأن شركاتها أصبحت مدرجة ضمن قائمة أكبر 500 شركة في العالم؟

أما الوجه الآخر للقضية فهو “سياسي”،  حيث أن لهذا التغير –في صناعة النفط العالمية- مضامين سياسية لا يمكن اختزالها أو إهمالها. فالاستغناء الأمريكي عن النفط الخليجي خلال السنوات القادمة قد يقترن باستغناء نسبي عن استراتيجيتها الأمنية في منطقة الخليج (oil-for-security) والذي كان “النفط” بنداً جوهرياً فيها وكما أثبتته الأحداث السابقة بدءً بحربي الخليج الأولى والثانية، والاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، وحالة الشد والجذب بين الولايات المتحدة وايران راهناً على خلفية الملف النووي الايراني وتداعياتها على دول المجلس، الأمر الذي يشير دون خشية مغالاة الى احتمالية تعرض الأمن الخليجي القومي الى مخاطر محدقة. وهذا الهاجس “الخليجي” ليس من صنيعة كاتب هذا المقال بل هي حقيقة يتفق عليها معظم المراقبين اليوم سيما وأنه سبق أن أشار اليها بصورة علنية مستشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حديث له قبل فترة وجيزة. وعلى أية حال، لابد من الاعتراف ان لهذا التحليل مقاربات بالغة التعقيد ليس من اليسر حسمها لأنها ترتبط أساساً بمعطيات المشهد السياسي والأمني الاقليمي والعالمي وبالتغيرات المحتملة في موازين القوى السياسية آنذاك.

وبالاتصال مع ما سبق، فأن الانتاج النفطي الأمريكي المتنامي سيمنح للولايات المتحدة قدرة تنافسية عالية في الأسواق العالمية والتي ستكون تلقائياً على حساب تنافسية الاقتصاد الصيني، ما يعني عودة بوصلة موازين القوى العالمية باتجاه الولايات المتحدة بعد أن كانت أنظار العالم تتجه نحو الشرق (آسيا) خلال السنوات القلية الماضية. كما أنه من الطبيعي والحال هذا أن تتمكن الولايات المتحدة التأثير على سوق النفط العالمية وتعويض النقص الذي قد يطرأ تحت أي ضرف وذلك باستخدام احتياطياتها النفطية، حينئذ لن تعد منظمة الـOPEC ولا دول الشرق الأوسط تتحكم بسوق النفط العالمية.

على ضوء ذلك كله، من الضروري بمكان أن تتخذ دول مجلس وعلى وجه السرعة استراتيجية “بديلة” طويلة الأمد تمتد الى عام 2030 وما بعده، تضع في الحسبان تداعيات مثل هذه التطورات الحاصلة في الانتاج النفطي (الأمريكي) على مستقبل اقتصاداتها، والشروع بتأهيل وتقوية قطاعات استراتيجية لايعتمد نموها على قطاع الطاقة.

أنها محاولة جادة لاثارة اهتمام مراكز صنع القرار فضلاً عن مراكز الفكر والبحث في دول المجلس بهذه التغيرات المحتملة والتجهيز من الآن لحقبة جديدة سوف لايكون النفط فيها لاعباً استراتيجياً في معادلاتها.

 خاص لـ ( الهتلان بوست )