سامي الريامي
سامي الريامي
رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم

هل مازالت منطقة الرأس عصب التجارة التقليدية؟

آراء

شهدت إمارة دبي خلال الثلاثة عقود الماضية، تطورات اقتصادية جذرية، فأصبحت مركزاً تجارياً مهماً، كما أصبح اقتصادها أكثر نشاطاً وتنوعاً، وتتمتع دبي بموقع استراتيجي متميز، وتعتبر من أكبر مراكز إعادة التصدير في الوطن العربي والشرق الأوسط، وذلك بفضل موقعها الجغرافي، وشُهرتها التاريخية، وخدماتها الراقية، وبُنيتها التحتية المتطورة.

ولا يخفى على أحد أن خور دبي، والأسواق التجارية القديمة في منطقة «الرأس» وما حولها، شكلت نقطة انطلاقة لحركة إعادة التصدير، وهي عصب التجارة التقليدية، عبر السفن الخشبية، التي أسهمت في إنعاش تجارة دبي منذ سنوات، وزيادة إعادة التصدير لأسواق إفريقيا وآسيا وكثير من دول العالم، ما جعل الإمارة تشتهر بتقاليدها العريقة والراسخة في التجارة والنشاط البحري، وقد كانت معروفة منذ فترة طويلة بأنها المحور التجاري والرئيس في الشرق الأوسط.

وفي الوقت ذاته، فإن منطقة الرأس بما تحويه من أسواق تراثية قديمة، أعادت دبي ترميمها وإحياءها ضمن مشروعات مميزة في السنوات الماضية، تحولت إلى مواقع سياحية، يقصدها الزوار والسياح من كل مكان، وتنفرد هذه المنطقة عن غيرها من مناطق دبي التجارية، كونها تجمع بين المتعة والتنزه والشراء في آن واحد، لأن الكثير من الناس، لاسيما الأجانب، يأتون إلى السوق بهدف التعرف إلى التراث والمناطق التي مازالت تتمتع بالطابع القديم، ثم تأتي بعد ذلك عملية الشراء، بجانب الزبون القديم الذي تعوّد شراء احتياجاته من التوابل والأعشاب والأقمشة والذهب والإلكترونيات وغيرها.

لكن وللأسف الشديد، تمر هذه المنطقة، وتحديداً اليوم، بظروف صعبة، أجبرت عدداً من أصحاب المحال التقليدية على تركها، وآخرون مازالوا يصارعون الكثير من المعوقات قبل الاستسلام نهائياً، بمعنى أصح هم في مرحلة الاحتضار ما لم تتحرك الجهات المعنية من غرفة التجارة والدائرة الاقتصادية والمجلس التنفيذي في الإمارة، وغيرهم من المعنيين، لإعادة بث الحياة في هذا الشريان التجاري قبل انقطاع الحركة فيه.

المعوقات والمصاعب التي تواجه هذه المنطقة خارجية وداخلية، ولربما الظروف الجيوسياسية في المنطقة العربية وبعض الدول الإفريقية كانت أحد أهم هذه الصعاب، حيث تأثرت حركة إعادة التصدير لكثير من الدول التي شهدت ثورات وقلاقل وعدم استقرار، فأصبح من الصعب التعامل معها تجارياً، وفي الوقت ذاته، أسهم ارتفاع سعر النفط عالمياً في التأثير في اقتصادات كثير من الدول الإفريقية، التي كانت تعتمد على هذه المنطقة في التزود باحتياجاتها كافة، وارتفاع أسعار النفط شكّل صعوبة لهذه الدول، من حيث الحصول على العملة الصعبة، خصوصاً الدولار، وتالياً انخفض استيرادها للبضائع بشكل كبير جداً.

وتزامنت هذه الأحداث الخارجية مع بعض الصعوبات الداخلية، ما جعل تجار تلك المنطقة ومستأجري المحال التجارية فيها يتأثرون سلباً، ولعل أهم الأسباب موجة الغلاء التي شهدتها أسواق الإمارات بشكل عام، وعزوف المشترين، ما جعل الحركة تقل بشكل كبير على المنطقة، إضافة إلى تأثر المنطقة بعدد كبير من المشروعات المنافسة، التي أسهمت في تقليل الطلب على الإيجارات، وزاد المعروض بشكل جعل وللمرة الأولى منذ عشرات السنين لوحات «للإيجار» تنتشر على البنايات لعرض مكاتب خالية!

المصدر: الإمارات اليوم