عبد الرحمن الراشد
عبد الرحمن الراشد
إعلامي سعودي

هل يمكن عقد هدنة بين الأديان؟

آراء

تطرح أفكار كثيرة حول كيف يمكن وقف دعوات الكراهية، والأعمال المسيئة للأديان، وتجريم التحريض، وكل ذلك لمنع الصدام بين أتباع الأديان في أنحاء العالم، وتحظى فكرة المنع بالمزيد من الشعبية بين صفوف التشريعيين والمثقفين في العالم الإسلامي.

فهل يمكن لمثل هذه الأفكار أن تتحقق؟

مع احترامي للحماس لهذه الأفكار إلا أني أستبعد القدرة على تحقيقها. فاستصدار قوانين دولية، أو التوصل إلى التزام من الحكومات في أنحاء العالم بإصدار تشريعات محلية تمنع التهجم وسب الأديان، غير ممكن في معظم دول العالم. ومن المهم أن يتعرف المهتمون بمواجهة هذه الأزمة التي تكبر، كل الحقائق المرتبطة بإشكالات إبرام اتفاقات دولية يطمحون إليها.

فمعظم الدول الغربية، وليس جميعها، لا تستطيع ولن تغير موقفها من قضية حرية الرأي مهما كانت كاذبة وقبيحة وخطرة، لأن دساتيرها تقوم على هذه الركيزة. طبعا هناك دول تسمح بالتدخل فيما يصنف كأعمال أدبية، ومنها الدينية، لأهداف سياسية، مثل ألمانيا والنمسا وفرنسا ونحوها. أما بالنسبة لبريطانيا والولايات المتحدة ومثلهما، فقد مرت بمثل هذه الإشكالية من قبل، وفضلت التمسك بالحرية على حماية العقائد والمقدسات بشكل عام. وتحت غطاء حرية المعتقد والتعبير تنشط في الولايات المتحدة جماعات عنصرية تعمل علانية وبصورة قانونية تتهجم على اليهودية، وضد طوائف مسيحية، والآن ضد الإسلام. هذه الجماعات مر على وجودها عقود طويلة، وثبت أنها فشلت في كسب رأي عام واسع، وظلت صغيرة مكروهة في مجتمعها، وبالتالي لا يمكن أن تنسحب أفعالها على بقية السكان ولا أبناء طائفتها. ومثل هذه الجماعات المريضة فكريا كانت، وستستمر موجودة، في كل أنحاء العالم، وهي لا تجد لنفسها أهمية إلا عندما تجد من ينفخ فيها النار. وليس هناك أفضل مما نصح به الخليفة عمر بن خطاب المسلمين بعد أن علم أن كفار قريش كانوا يقولون قصائد تذم الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله «أميتوا الباطل بالسكوت عنه»، أو كما قال بعض السلف «أميتوا الباطل بهجره».

أيضا، سيواجه دعاة إيجاد ضوابط قانونية تحرم سب الأديان وأتباع الأديان، أن ذلك سيصطدم بالعقائد نفسها، حيث يوجد خلاف حقيقي وعميق بين الأديان، والحقيقة أن التكفير هو من صلب كل الأديان ضد الأديان الأخرى بلا استثناء، وبالتالي كيف يمكن معالجة هذا الجانب الحساس والخطر جدا؟

إن الممكن والمعقول عمله هو التشجيع على الحوار، والتفاهم على احترام التعايش، وإدراك مخاطر الانجرار وراء الغوغاء، والتعهد بمواجهة خطاب الكراهية كفعل تطوعي. وهناك جانب يمكن تحقيقه بحث المؤسسات الإعلامية الكبرى وشركات التواصل الجديدة في أنحاء العالم، على القبول باتفاق شرف ضد نشر الأعمال المسيئة للأديان وكل ما يحرض ضد الآخر. وهذا ينطبق على كل الأديان والطوائف والأعراق بلا تمييز. ومع أن معاهدات الشرف هي عمل خياري لا إلزام فيه لكنها تستطيع أن تؤثر كثيرا وتقلل من الصدام بين الجماعات والأمم. وبالتالي يصبح موقف شركة «غوغل» شاذا عندما ترفض سحب الفيديو المسيء للإسلام.

فضلا عن ذلك، لا أدري كيف يمكن استصدار اتفاقيات تلزم الدول في العالم بمنع القدح في الأديان وأتباعها، لأنه أمر غير ممكن في ظل النظام الدولي القائم وفي مناخ التقنية الحر.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط