عبد الله الشمري
عبد الله الشمري
عبد الله الشمري كاتب و باحث سعودي متخصص في الشؤون التركية

وترجّل صوت اوروبا في تركيا وصوت تركيا في اوروبا

آراء

«والدي يمر بلحظات صعبة..أرجوكم اكثروا من الدُّعاء له»،كانت تلك آخر تغريده في صفحة الإعلامي التركي محمد علي بيراند في «تويتر»والتي كتبها ابنه عمر صباح الخميس الماضي ،وبعدها بساعات أعلن عن وفاة عميد الصحافة التركية والذي طالما كان الشخصية الأبرز محليا ودوليا.

حرص الرئيس التركي عبدالله غول على الحضور شخصيا للصلاة عليه قائلا: «مكان بيراند لا يمكن أن يملأه أحد» ووصفه رئيس الوزراء التركي اردوغان بأنه « كاتب محترف تفيض كتاباته بالحماسة ،كنت أدعو له أثناء فترة مرضه»،رغم انه كان من اكثر وأجرإ الصحفيين الاتراك نقدا للرئيس ولرئيس الوزراء.وفور وفاته رثاه كل الزعماء السياسيين في تركيا، واصفين اياه بأنه «مقتحم الأبواب المغلقة» و «الصحافي الذي لا يعرف الممنوع» و»لقد سقط نجم من نجوم الصحافة التركية»و» اليوم طويت صفحة من تاريخ الإعلام التركي».

ورغم اختلافه معه كثيراً إلا أن الشخصية الدينية الأكبر تأثيرا في تركيا وزعيم جماعة «النور» الشيخ فتح الله غولين والموجود منذ 14 عاماً في امريكا ،نعاه بقوله: « كان بيراند مدافعا عنيدا عن الديموقراطية في تركيا في أصعب الظروف».

ساهم بيراند في تغيير فكرة الرأي العام التركي عن العالم وجواره، و كان بحقّ أستاذ الصحافة التركية فخلال عقود تتلمذ على يديه الإعلاميون الاتراك، بل انه كان استاذاً لجميع الطلبة في اقسام السياسة والإعلام فمقالاته التحليلة كانت مرجعا هاماً ودائما لطلبة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه .

ولم يحصل بيراند على هذه المكانة بسهوله فطالما واجه اياماً صعبة وخاصة خلال مرحلتي الانقلابات العسكرية (1971و 1980م ) بسبب كتاباته الرافضة لوصاية الجيش وفُصل من عمله عدة مرات آخرها عام 1997،بعد الانقلاب السياسي على نجم الدين اربكان، رغم أنه كان من أشدِّ المنتقدين لاربكان ولتيار الإسلام السياسي التركي،لكن الجيش كان يُعاديه ويخشاه بسبب مقالاته الرافضة لتدخل الجيش في السياسة ،كما مُنع كتابه الأشهر « أورق سيدي الجنرال» .

و بيراند هو أوّل من كسر المحرّمات وسمّى المشكلة الكردية باسمها، وطالب مبكِّرا بتسوية القضية الكردية،بل واجرى لقاءً يتيما مع زعيم»حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان، والذي كان يقيم في البقاع اللبنانية. كما قام بتغطية العديد من الأحداث الخطرة وخاصة عملية الانزال التركي في شمال قبرص عام 1974م.

أجرى بيراند حِوارات مهمة ومفصلية مع عدد كبير من الشخصيات التركية، وهو الإعلامي التركي صاحب الأكبر سجلًّا في مقابلات الرؤساء الاجانب ، فقد حصل على مقابلات حصرية مع رؤساء عرب كبشار الأسد والملك حسين وصدام حسين وياسر عرفات وفرانسوا ميتران وهيلموت كول وميخائيل غورباتشوف وجاك شيراك.

لعب بيراند دورا هاماً في تعزيز علاقات تركيا مع الغرب تحديدا، وطالما حرص السفراء الأجانب على دعوته وسماع آرائه الصريحة والجريئة تجاه الاوضاع الداخلية والدولية ، وفور وفاته انهالت على أسرته برقيات المواساة والتعازي من مختلف دول العالم ،وكانت اول برقيّة تعزية خارجية من الجارة اللدودة اليونان، وعبَّر رئيس وزرائها السابق والذي كتب « لعب بيراند دوراً بنّاء في التقارب بين تركيا واليونان ،وبوفاتة فقدنا صوت العقل، وروحاً فكاهيةً عالية، فقدنا الحب، والصوت الرحيم، لقد لعب دوراً داعما وبنّاءً في تقريب العلاقات التركية اليونانية» « إنه خسارة كبيرة لتركيا وللعالم « .

تعازينا لعائلته وللشعب التركي، ورحِم الله بيراند سيفتقده الملايين ليس فقط بسبب مقالاته وبرنامجه المميز ،وإنما لأن رأيه كان بمثابة «الترمومتر» الذي يمكن القياس عليه لمعرفه المزاج السياسي للشعب التركي..

المصدر: اليوم