وحدة الوجود

آراء

عندما تحلق فوق رأسك حمامة، وتخفق بجناحين أشف من أهداب الغيمة. عندما تقف هرة أمامك تموء بصوت عذب شجي، أرق من خرير الماء. عندما يقابلك كلب يهز ذيله مثل مروحة خرافية. عندما يناغيك طفل في شهوره الأولى. كل هذا يشعرك بوحدة الوجود، وكل هذا يدعوك للاشمئزاز من أولئك الذين يسخرون من الروح ويهزأون من الحياة ويستخفون بمكوناتها، ويذهبون بالكائنات إلى العبثية والعدم. عندما يسكنك هذا الإحساس، تفكر كيف يمكن للحياة أن تصير بلا روح. الأشياء من حولك مثل خيوط القماشة، تكمل بعضها بعضاً، والاستغناء عن خيط واحد يفلفل القماشة، ويحولها إلى خيوط متناثرة سريعة التلف.

لم يأت شيء إلى العالم من دون هدف، وهدف الأشياء هو تكاملها، ليصبح الوجود كائناً واحداً، عناصره وحدة القاسم المشترك، ولا شيء في هذا الكون يعيش خارج حسابات الاندماج والانغماس في بوتقة الكل المنسجم والمدعم لبقية أعضاء الجسد. لا يستقيم الكون، ولا يستمر الوجود صاحياً صحيحاً، من دون تشابك الأغصان وتعانقها وتداخلها، لأن في ولوج الأشياء بعضها ببعض، هو الحياة، وهو الإنتاج وهو النماء، وهو الانتماء، وهو الطاقة التي تجعل الوجود في صلب الحياة، كما هي الحياة في لب الوجود. لا انفصال، ولا جفاء ولا فجوة في هذا المعيار الوجودي، الذين يضعون الموازين من دون رمانة تساوي بين طرفي الميزان، هم الذين يجعلون من الحياة قشة بلا قيمة، ومن الوجود غباراً ينفث غضبه في أحشاء الأحياء، ما يجعلها كتلة من جحيم، وما يجعل الإنسان كائناً عدائياً يمضي في الحياة مثل الناب والمخلب، ليس له وظيفة غير تهشيم العظام وتحطيم الأجسام، وتحويل الوجود إلى حالة من العدم، تقضي بأن يستمر الإنسان في خضم اللاوعي، تدفع ريبته من الأشياء المحيطة به، والتي تشكل تنيناً أسطورياً، لا هدف له غير بث الرعب ونشر العواصف المزلزلة لوجدان الإنسان، والذي يصبح بعد ذلك مجرد كائن هلامي لا جدوى من وجوده، هذا الإحساس هو ردة فعل مضادة، فعندما يحتقر الإنسان الكائنات الأخرى، فإنه يحتقر إنسانيته، وبالتالي يتحول إلى كائن متلاشٍ ومنتهٍ إلى اللاشيء. فهل يستطيع الإنسان الاستغناء عن جزء من جسده، فمثلاً هل يستطيع التخلي عن يده أو قدمه؟ بالطبع لا، وهكذا هي مكونات الطبيعة، فهي في الوجود تمثل أعضاء لجسد واحد، ولذلك المحبطون والدونيون، لديهم القدرة على إفناء الذات، لأنهم لا يملكون مخيلة الوحدة في الوجود، وكذلك الوحدة بين الروح والجسد، ولذلك فهم لا يشعرون بأهميتهم في الوجود، كما أن الوجود لا أهمية له بالنسبة لهم. معادلة صعبة، ولكنها طبيعية تقود إلى إما الوعي أو اللاوعي.

المصدر: الاتحاد