زياد الدريس
زياد الدريس
كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو

وحوش الظل

آراء

«إنها حربٌ مثالية… الجميع يجنون الأموال الطائلة»، تعليق ضابط استخبارات أميركي عن الحرب في أفغانستان.

«هذا المكان (العراق) هو آلة لصنع المال… هناك الكثير من المال. يدهشني حقاً: كيف تصنع الحرب مالاً، وكيف يمكن أن تصبح للحرب فائدة!»، جون كوت، طالب جامعي التحق بشركة «كريسنت» في العراق ووُجد مقتولاً بعد خطابه هذا بأسبوع.

بهذين الاقتباسين سأمهّد لمطالبة أكثر من صديق وقارئ أن لو ألحقت مقالتي السابقة (http://alhayat.com/Opinion/Ziad-Aldrees/9470968/ انتهازيون-بلا-حدود) التي تناولت فيها فصائل الانتهازيين الذين يديرون الحروب والصراعات في هذا العالم عموماً، وفي عالمنا الأوسط في شكل خاص، بنماذج استدلالية من تلك الفصائل.

كانت مصادفة عجيبة أن يُنشر في نفس يوم مقالتي تلك تقرير موسع عن الشركات الحربية الخاصة، أي تلك التي يمكن وصفها ببشاعة بأنها (جيوش قطاع خاص)!

في الاستطلاع الموسع الذي نشرته صحيفة «التقرير» تحت عنوان: جيوش الظل، لعبة الحرب والمال والسياسة http://altagreer.com/ جيوش-الظل-لعبة-الحرب-والمال-والسياسة-ل/ تناولت معدّة التقرير، بسمة حجازي، تفاصيل وأرقاماً وأسراراً مقززة ومخيفة عن الرأسمالية المتوحشة التي تدير الصراعات في المناطق المتأزمة، لا بوصفها مهمات وطنية أو إنسانية كما يروّج السياسيون والإعلاميون من ورائهم، بل بوصفها مهاماً استثمارية وتربّحية لشركات تجارية ومقاتلين مرتزقة لا غير.

سيتكئ مقالي هذا كثيراً على مقاطع من ذلك التقرير الوافي عمن يُسمَّون جيوش الظل باعتبارهم سنداً للجيوش النظامية المعلنة، ويمكن تسميتهم أيضاً بوحوش العلن باعتبارهم يؤدون المهام التي يطلبها منهم وحوش الظل الذين يظهرون أمام العالم بأقنعة حفظ السلام والعدالة الدولية، بينما هم في الظل يستثمرون في القضاء على أرواحنا وأمننا وأوطاننا.

تحظى (جيوش القطاع الخاص) برعاية الحكومة الأميركية التي تحتضن هذه الشركات – بحسب التقرير – وتتعاقد معها بل وتحميها من الملاحقة الدولية ابتداءً برفض الولايات المتحدة وبريطانيا التوقيع على الاتفاقية الدولية التي تجرم أعمال المرتزقة التي أقرتها الأمم المتحدة في الرابع من كانون الأول (ديسمبر) 1989 والمعروفة بالاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم. تصف الدكتورة أنجيلا سنيل من جامعة إلينوي، كلية القانون، التعاقد مع هذه الشركات بأنه «طريقة مريحة لحكومة الولايات المتحدة للتهرب من التزاماتها القانونية، بما في ذلك مسؤولية حماية حقوق الإنسان والمدنيين في الحرب والسلام، من خلال السماح للأفراد والشركات الخاصة، بدلاً من الجهات الرسمية الحكومية، لأداء المهام الحربية نيابة عن الجيش الأميركي». وعند تعيينه وزيراً للدفاع، قدم دونالد رامسفيلد (مجرم الحرب الطليق!) مقترحات «للحد من البيروقراطية والإسراف والنفقات العالية للقوات المسلحة الأميركية من خلال الحركة الأخف وزناً والأكثر مرونة لآلات الحرب والمقاتلين من خلال تسخير قوة القطاع الخاص على جبهات متعددة».

ويشير التقرير إلى «أن مركز النزاهة العامة في واشنطن قد صرح بأن وزارة الدفاع الأميركية وقعت منذ عام 1994 نحو 3901 عقداً بلغت قيمتها 300 بليون دولار». وقد يفسر لنا هذا الرقم الكبير، والقابل للمضاعفة، التكاليف الباهظة التي تكبدتها موازنات الدول الأوسطية في الصراعات الدائرة في المنطقة منذ العام ١٩٩٠. إنها بوضوح «شركات تبحث عن المال عبر خلق المزيد من الفوضى»، كما يقول التقرير. يعزز هذا الهدف غير الأخلاقي ما نشرته صحيفة «النيويورك تايمز» عام 2009 عن فضيحة بيع أسلحة في السوق السوداء في العراق قامت بها شركة «بلاك ووتر» لمسؤولين وجماعات عراقية. أي أن الذين قالوا لنا أنهم ذاهبون إلى العراق لإيقاف العنف وإحلال السلام هم في الحقيقة كانوا يساهمون في إحلال الحرب وإشعالها! ولذا فلا غرابة أن يصف أحد مالكي هذه الشركات جنوده بأنهم لا يقاتلون من أجل دولة بل من أجل المال They are not fighting for a state, they are fighting for money

يورد التقرير شهادات من بعض أولئك المرتزقة المنتمين للشركات الحربية، سأسوق اثنتين منها:

يقول روبيرت كول أحد الحراس العاملين في شركة «داين كورب» أنه تم غسيل أدمغتهم وبرمجتهم ليتحولوا إلى «قتلة محترفين»، ويضيف أن أهم الدروس التي تدرّس لهم في العراق هي «أن العراقيين لا يفهمون إلا القوة»، وقد قيل له أثناء التدريب «أطلق النار أولاً ثم فكِّر لاحقاً»!

وكتب بوب ماكنزي أحد هؤلاء المرتزقة في مذكراته بعد عملية تفخيخ في زيمبابوي أدت إلى احتراق العديد من الجثث المجهولة الهوية «إن من السهل أن تكون إرهابياً».

حقاً من السهل أن تكون إرهابياً، لكن من الصعب أن تكون (أميركياً إرهابياً) في معايير القانون الدولي المطّاط!

تُرى هل من مصلحة تجار الحروب والسلاح أن ينجح مبعوثو السلام في العراق وأفغانستان والصومال وسورية وليبيا واليمن في مهماتهم المعنونة: (جمع الفرقاء وحقن الدماء)؟

لو تحقق بالفعل (حقن) الدماء في منطقتنا فكيف سيتم (حقن) جيوب تجار الدمار؟

نحن نُدفَع للتقاتل في ما بيننا… كي ينتصرَ الموتُ وينهزمَ القاتل والمقتول.

المصدر: الحياة