أيمن العريشي
أيمن العريشي
كاتب وأكاديمي سعودي

وداعا “علي أكبر”

آراء

تجتاح لوعة الفراق العديد من الأسر السعودية، ما إن يقترب موعد سفر أحد أفرادها أو أبنائها إلى الخارج سواء لدراسة أو لعلاج أو نحوه، ويشعرون بأن مكانه سيظل فارغا ولن يسده أحد سواه، لكنهم يُعزّون أنفسهم بالثمرة ويعشّمون أنفسهم بالعائد والمرجو من تلك الغربة الاختيارية التي تستحق التضحية والصبر.

لكن ثمة فراق أصعب وفراغ أكبر يخلفه رحيل العمالة المنزلية من خادمات أو سائقين سواء سفرا نهائيا أو لإجازة موقتة، هنا يصبح التعويض من الصعوبة بمكان، في ظل أسرٍ باتت تعتمد على العمالة المنزلية اعتمادا كليا يصعب معه التعويض، وبلا مبالغة فإن غياب السائق أو الخادمة لدى بعض الأسر يستدعي حالة استنفار قصوى، ويستوجب أخذ احتياطات مسبقة يأتي في مقدمتها توفير البديل المناسب، والذي لن يكون بأي حال من الأحوال في نفس مستوى التفهم والتقبل للأوامر الصارمة، والالتزام والتقيد بالمواعيد، ولا بذات التأقلم مع أجواء المنزل ومزاجيات قاطنيه، لا أخفيكم أيها القراء بأن ثمة غيرة تنتابني من وقت لآخر بسبب سائق أسرتنا الخاص، وغيرتي هي غيرة الابن الذي يجد أن وجوده أصبح “زي عدمه”!، وأن بقاءه أو رحيله لفترة من الزمن قد لا تخلف ذات الأثر الذي يخلفه غياب السائق!.

إنه أمر لا جدال فيه – على الأقل بالنسبة لي – لكنني أستدرك لأؤكد أنها غيرة سرعان ما تتحول إلى قَدر وافرٍ من الاحترام والتقدير تجاه “علي أكبر” وهو سائق بنجلاديشي أفنى زهرة عمره وشبابه يعمل معنا بتفانٍ وإخلاص، مخلفا وراءه هناك في بنجلاديش عائلة أخرى لديها ذات التزاماتنا واحتياجاتنا، بل ربما أكثر، ناهيك عن كون واجبه تجاه أسرته يضاهي ـ وبأضعاف مضاعفة ـ واجبه تجاهنا، أليس من حق زوجته وابنته وابنه الصغير أيمن – وبالمناسبة فقد اختار اسم ابنه تيمنا بكاتب هذه السطور – أن يعيشوا تحت ظل والدهم المغترب؟ تماماً كما من حقه هو أن يقضي أيام حياته في كنف أسرته وبين عشيرته كحق إنساني يشترك فيه كل بنو البشر، لكنها الحاجة الماسة إلى المال لا سواها، زجت به في أتون غربة لعقد من الزمان أو يزيد، وكل ذلك مقابل مبلغ شهري زهيد، قد يقل عن مصروف أصغر أفراد أسرتي في شهر واحد.

أكرر الكتابة من وقت لآخر عن العمالة الوافدة، وأجدني كثيرا ما أنحاز في صف إنصافها بعدل ومعاملتها بإحسان؛ إيمانا مني بأن حفنة المال التي يتقاضاها أحدهم أو إحداهن بالريال، لا يمكنها تعويض لحظة واحدة من اغتراب وفراق، مع أننا لا نلبث كثيرا حتى ندرك ونعترف بحاجاتنا إليهم وشعورنا بالفراغ عند غيابهم، لكننا رغم كل ذلك قد نتظاهر بالاكتفاء ونتصنع الاستغناء، مع أن الأساس الصحيح هو أن نتصدى نحن للقيام بواجباتنا، ورعاية أبنائنا، إذا أردنا الاستغناء الحقيقي لا المزيف، لكن – والحالة هذه – فإن إنسانيتنا تستوجب أن نُشعرهم بحاجتنا إليهم، بل ونُجزل لهم الشكر قولاً وعملاً، وأقل الشكر هو المعاملة باحترام وإحسان، فشكرا “علي أكبر”، وشكرا لكل عامل وعاملة يعملون معنا ومن أجلنا.

المصدر: الوطن اون لاين