علي عبيد
علي عبيد
كاتب وإعلامي من دولة الإمارات العربية المتحدة

وسيلة العقلاء لتفادي جموح المجانين

آراء

نحن لا نعرف المستقبل، لكننا نحاول أن نستشرفه، وهذا هو ما حاول أن يفعله المنتدى الاستراتيجي العربي، الذي نظمه المكتب التنفيذي لحكومة دبي يوم الأربعاء الماضي، وهو ما لمسه كل من حضر جلساته أو تابعها عن بعد.

وقد عبر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عن أهمية استشراف المستقبل حين قال: «إن التحولات السياسية والاقتصادية العالمية المتسارعة تحتم على العالم العربي الاستعداد بشكل جيد للمستقبل، وإن الريادة العالمية لا تكون إلا للدول السباقة بتبني أدوات الاستشراف المستقبلي».

لذلك كان المنتدى سباقاً حين بادر إلى إطلاق برنامج لتطوير مستشرفي المستقبل العرب في المجالين السياسي والاقتصادي، فأعلن معالي محمد بن عبدالله القرقاوي وزير شؤون مجلس الوزراء والمستقبل، في الكلمة الافتتاحية، أن المنتدى سيعمل مع مجموعة من الخبراء والمراكز الدولية المعتمدة لتطوير نخبة من الشباب العربي المتخصصين، ليكونوا نواة لعلم الاستشراف الاقتصادي والسياسي، بهدف خلق مجموعة من المتخصصين في استشراف المستقبل السياسي والاقتصادي في العالم العربي، كي يكونوا عوناً لصنّاع القرار في دولهم، لرسم صورة أوضح لمستقبل المنطقة، بما يدعم اتخاذ القرار الاستباقي والصحيح.

لماذا يجب أن نستشرف المستقبل؟ هذا سؤال تكمن إجابته فيما نشاهده حالياً من أحداث في منطقتنا العربية، ما يضع المسؤولية على القيادات التي لم تُولِ أهمية لاستشراف المستقبل عندما كانت تقود بلدانها، فانحصرت نظرتها في نطاق ضيق، ولم تر أبعد من حاضرها، حتى انزلقت بنفسها وشعوبها إلى الهاوية التي تردت إليها، بعد أن دخل في قاموسنا مصطلح «الربيع العربي» الخادع.

ولو أن تلك القيادات عرفت قيمة استشراف المستقبل، وأجهدت نفسها قليلاً في البحث عما كان يراد بها وبأوطانها، لما وجدت نفسها مطرودة، أو مسحولة، أو محاصرة تتقلص دائرة نفوذها وسلطتها يوماً بعد يوم، وتضطر إلى التحالف مع قوى خارجية لحماية نفسها، والبقاء على قيد الحياة أطول مدة ممكنة، والتشبث بكرسي السلطة حتى آخر مواطن في تلك البلدان المنكوبة.

في محاضرته عن «حالة العالم في 2017»، أشاد «إيان بريمر» رئيس مجموعة «يورو آسيا» المتخصصة في الدراسات والاستشارات السياسية، بما حققته دولة الإمارات العربية المتحدة، قائلاً إنها أصبحت نموذجاً لما سيكون عليه الحكم في المستقبل، ومشيراً إلى أن مدنها أصبحت عالمية.

ورأى أن الحكومات مطالبة بالبحث عن وسائل جديدة، وعقد عمل جديد مع شعوبها، مثلما يحصل في دولة الإمارات وسنغافورة.

لا نعتقد أن هذه مجاملة من مؤلف كتاب «عالم بلا قيادة» الذي يؤكد أن هيكل القوة العالمي يواجه فراغ القيادة، وأن العالم سيصبح سلسلة من المجتمعات المبوبة، نظراً لأقلمة القوة لا عولمتها.

كما لا نعتقد أيضاً أن رئيس الوزراء البريطاني السابق «ديفيد كاميرون» كان يجامل دولة الإمارات عندما أثنى على الدور البارز الذي تؤديه في محاربة الإرهاب والفقر، وتشجيع التنمية، وعلى دورها المتنامي عالمياً.

وهو ما ينطبق أيضاً على ما قاله مدير الاستخبارات الأميركية ووزير الدفاع الأميركي السابق «ليون بانيتا»، الذي أكد أن دولة الإمارات العربية المتحدة مثال يُحتذى بالنسبة إلى المستقبل.

فهذه شهادات من شخصيات مهمة لعبت أدواراً مؤثرة في دولها والعالم، وأصبحت مصادر موثوقة للتحليل واستشراف المستقبل، وهي تعي جيداً ما تقول. لذلك علينا أن نعمل على تعزيز هذه الصورة وتطويرها، كي نبقى مصدر إشعاع وسط هذا الظلام الذي يغشى المنطقة، ويحولها إلى ساحة للفوضى، ويغيّر خرائطها وديموغرافيتها وأدوار قاطنيها.

عام 2016 لم يكن عاماً عادياً لأسباب كثيرة؛ ففيه اختار البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي، في استفتاء استقطب اهتمام العالم أجمع، وجاءت نتيجته صادمة ومغايرة لأغلب التوقعات التي استبعدت خيار الخروج، أو لم تستوعب أن ترى الاتحاد الأوروبي من غير بريطانيا العظمى.

وهذا العام انتخب الأميركيون «دونالد ترامب» المثير للجدل رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وسط ذهول وصدمة سكان العالم أجمع، بمن فيهم الأميركيون أنفسهم، الذين لم يستوعب الكثير منهم حتى الآن نتيجة هذه الانتخابات، حيث بدا ترشح ترامب في البداية مزحة لدى الكثيرين، وظل هذا الإحساس مصاحباً لكل مراحل الانتخابات، حتى أصبح وصوله إلى كرسي الرئاسة واقعاً بعد انتهاء الانتخابات في شهر نوفمبر الماضي، بانتظار أن تبدأ فترته الرئاسية في شهر يناير المقبل، ليرى العالم كيف ستتغير سياسة الولايات المتحدة الأميركية على يديه كما وعد.

ومع نهاية عام 2016 فرضت روسيا إرادتها على المجتمع الدولي، لتعود أقوى مما كانت عليه قبل انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه قبل 25 عاماً، وتصبح لها الكلمة العليا في واحد من أهم الأقطار العربية، هو سوريا التي لم يحسن قادتها استشراف المستقبل، رغم ما كان يحدث حولهم، ولم يستثمروا الفرصة التي كانت متاحة لتفادي النفق الذي أدخلوا بلدهم فيه، وقد كان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك لو تحلوا بقليل من الاستشراف.

ومع نهاية عام 2016 استطاعت إيران أن توجد لنفسها موضع قدم في سوريا، بعد أن أحكمت سيطرتها على العراق، مستفيدة من سقوط نظام صدام حسين على يد القوات الأميركية التي قدمت لها العراق على طبق من ذهب، وهي اليوم تستفيد من تزلزل الأرض تحت قدمي بشار الأسد في سوريا، وتمضي قدماً في تحقيق أحلامها.

لهذا كله يجب أن نستشرف المستقبل، فالاستشراف هو وسيلة العقلاء لتفادي جموح المجانين.

المصدر: البيان