ومسح به «البلاط»!

آراء

في كثيرمن نقاشاتنا “صراخ” أكثر من “حوار”! ينطلق البعض منا في نقاشه بهدف إسكات صاحب الفكرة الأخرى وليس بهدف مناقشة الفكرة أو تفنيدها. ننظر كثيراً للطرف الآخر في المناقشة على أنه “خصم” لا صاحب فكرة نختلف حولها. ننسى كثيراً الفكرة ونترصد لصاحبها. ننطلق من منطلق “الخصومة” مع الرأي الآخر وليس من منطلق النقاش في الفكرة وتحليلها. استمع أو اقرأ تعليقات البعض على أي حوار يدور بين أصحاب فكرتين مختلفتين لتجد موقف “الخصومة” سيد المشهد.

يقولون كثيراً “فلان أسكت فلان”. أو “مسح به البلاط”. أو “ألقمه حجراً”. قرأت مرة تعليقاً لمثقف شاب، تعجبني ثقافته وحماسته، وكان يعلق بأدب وفهم على بعض مقالاتي. لكنني ضحكت على بعض التعليقات المتشجنة على الموضوع. كتب أحدهم: ومسح به البلاط! يا أخي: الرجل لم يمسح بي البلاط ولا غير البلاط بل كتب رأيه المختلف -بأدب- مع رأيي. ما دخل البلاط في الموضوع؟

مرة اختلفت مع صديق حول فكرة لكنني في النهاية اقتنعت برأيه وعبّرت له عن قناعتي بفكرته فإذا بأحدهم “ينط” شامتاً: هل أفحمك؟ قلت: لا لكنه أقنعني! أستغرب دوماً من خوف البعض من الأفكار الجديدة كما لو أن أصحابها يحملون في أيديهم “عصا سحرية” لفرضها على الناس غداً. تراهم يتعاطون مع الفكرة كما لو كانوا في ساحة حرب. كيف تقنعهم أن يتخلوا عن حدتهم وانفعالاتهم حينما تستفزهم فكرة جديدة أو رأي خارج المألوف؟ أم أننا مجتمعات الرأي الأوحد والموقف الواحد كما لو أننا “نسخ من بعض”؟

ضحكت من تعليق عربي على تويتر بعد المناظرة الأولى بين أوباما ورومني. كتب صاحب التعليق: رومني يمسح بأوباما البلاط! علقت بيني وبين نفسي: لا يا شيخ! ولهذا أقول دعونا نهذب ألسنتنا وننظف قلوبنا وعقولنا قبل الدخول في نقاش حول رأي مختلف أو وجهة نظر لا نتفق معها!

نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٣٤٣) صفحة (٢٤) بتاريخ (١١-١١-٢٠١٢)