إدريس الدريس
إدريس الدريس
كاتب سعودي

يا قراء العناوين: “فهمتوني غلط”

آراء

مع نشر مقالي الذي كان عنوانه “آل سعود كسائر المواطنين يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق” امتلأ مكان التعليقات “MENTION” عندي في التويتر بالكلام اللاذع ما بين لائم وشاتم وشانئ.

والواقع أنني لم أتوقع هذا الكم المعترض الذي لمزني وهمزني بالأقذع من الصفات، بل إنني كنت أتوقع من ردود الفعل عكس ذلك تماماً، وكنت أتحايل على الصحيفة خشية أن تحجب المقال من النشر لأنه بحسب تقديري كان خارج السياق المعتاد، وكانت فيه جرأة محسوبة تلامس ما كنت أظن أنه يقع تحت طائلة المنع من الاقتراب، كيف لا وفكرة المقال تنطلق من مساواة الأسرة المالكة بسواها مع باقي الأسر الكريمة في هذا الوطن؛ في السلوك الذي يتسم عند بعض الأفراد أحياناً بالسفه والحمق والفساد. وعندما انطلقت باتجاه هذه المقارنة، فإنني كنت أرد على البطانة الفاسدة التي تجتاح أحياناً بلاط السلاطين والأمراء، وهذا من المعروف تاريخياً على امتداد الممالك والحضارات، وهو ما يحدث مع تباين في نسب الكم، وفي حجم التأثير قديماً وحديثاً إضافة إلى حجم الاستجابة لهذا التأثير الذي قد يزيد فيعزل عن الواقع الحقيقي عبر ما يزينون وما يزيفون من الحقائق، وإظهار أن كل الأمور على خير ما يرام، لكن ردة الفعل جاءت كما ذكرت عكس ما توقعت، ولهذا جاءتني تعليقات من نحو: اكتشاف جديد لإدريس الدريس، وهو أن آل سعود كسائر المواطنين، ومغرد آخر يقول: لا يا شيخ، وثالث يقول: “ما أصدق أبغاك تحلف”. ورابع يقول: “تعس عبد الدينار”. وخامس يسأل مستنكراً: “من وكلك تدافع عنهم أو ما تسقم عن مسح الجوخ”، وسادس: “إدريس ليش تكتب هالمقال شرهتنا عليك كبيرة البلد كله صار مطبلين”. وسابعة: “أتابع مقالاتك ونادراً ما تفوتني لكن المقالين الأخيرين كبوة أتمنى ألا تتكرر”. وثامن يقول: “أتعجب من عنوان المقال فمن قال إنهم أنبياء”.

سأكتفي بهذه النماذج الثمانية من ردود الفعل الكثيرة وسأعرض عن ذكر الهاشتاق الذي خصص لهذا الموضوع.
لكنني سأخرج بنتيجة مؤكدة أن معظم الناس منسجمون مع التسارع والتدفق الهائل للمعلومات والتغريدات والبرودكاستات واليوتيوبات، ومنغمسون في زحمة الانهمار المتتابع للرسائل والمواد المكتوبة والمرئية التي تصب في المجاميع والجروبات في “الواتس أب” أو “التويتر”، والمؤكد أن كثيراً من الناس مع هذا الكم الهائل صاروا يكتفون بقراءة العناوين، والبعض الآخر صار يكتفي بنقل ما يرده من انطباعات وتعليقات دون تدقيق أو تمحيص، وصاروا لا يملكون الوقت لفحص الموثوقية ومصداقية ما يهطل على مواقعهم، ويكتفون بالاستنساخ، وكثير من المتلقين قاموا بتأجير عقولهم للغير، وصاروا أجهزة استقبال فقط، ومع أن معظم المقال المقصود انصرف للحديث عن تجربة الأمير خالد الفيصل الشعرية والإدارية الناجحة، وحاولت تفنيد النظرة القاصرة والمشوشة عن “الإنسان” وطرده من جنة الإبداع لمجرد أنه أمير، ومنها سعيت في آخر المقال إلى إثبات أن صفة “الأمير” لا تنفي عن صاحبها الصفات البشرية السلبية والإيجابية.

ومن هنا فقد آمنت أن الغالبية العظمى من الذين علقوا على مقالي هم من الذين اكتفوا بقراءة عنوان المقال، وإلا كيف يعتبر مطبلاً من يقول: (كيف لكثير من الناس أن يعلموا أن أسرة آل سعود حالهم كحال باقي الأسر والعوائل فيهم الحكيم وفيهم غير ذلك، وفيهم التقي وفيهم الشقي، منهم المتعلم ومنهم الجاهل، منهم الحليم ومنهم الأحمق، وعلى الذين يتحسسون لمجرد أن المخالف أو الفاسد أو الشاعر أمير أن يعلموا أن كثيراً من الأسر السعودية الأخرى فيها المخالف والفاسد والشاعر، ثم قلت علينا ألا نبالغ في التطبيل والتنزيه ونفخ البخور ومسح الجوخ، كما أن علينا ألا نبالغ في سلبية الانطباع وتعميمه وطرد الكل من رحمة الظن الحسن).

لعل ما اقتطعته من عبارات من المقال السابق وكنت – أظن أنها غير قابلة للنشر – توضح بجلاء أن بعض الناس لديها انطباع ثابت ومسبق ورأي جاهز لا تريد تغييره ولا تريد الإخلال بقناعاتها الراسخة.

بقي لي أن أذكر أنني لم أغضب من حجم الشتم واللمز الذي طالني بقدر ما حزنت على سرعة الانسياق خلف القطيع وتسرع الفرد منا في تبني رأي الغير دون تحري الموثوقية رغم أن القرآن الكريم أدبنا وعلمنا النهج الصحيح في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة)، ليتنا نتبين، وليتنا نقرأ جيداً وندقق قبل أن نعلق.

المصدر: الوطن اون لاين