سليمان الضحيان
سليمان الضحيان
كاتب واكاديمي سعودي

يوسف زيدان مثقف حسب الطلب

آراء

في عام 2009م أقيمت مباراة في كرة القدم بين منتخبي مصر والجزائر في الخرطوم، وقد نشبت على إثرها مصادمات بين جمهوري البلدين، وهي المصادمات التي تحدث كثيرا بين جماهير الدول؛ إذ إن جماهير كرة القدم تتكون غالبا من شباب متحمس تغلب عليه العاطفة، ودائما تنتهي المصادمات كما بدأت، وهذا ما حصل في مصادمات تلك المباراة، إلا أن تلك الأحداث استغلت من قبل السلطة في مصر آنذاك لإشغال الناس بقضية، كما اعتاد النظام إشغال الناس بقضايا تلهيهم عما يواجهونه من أزمات اقتصادية.

وقد اتفق أن كان د. يوسف زيدان آنذاك مشاركا في محاضرة في دولة الإمارات العربية، وقد سئل عن الأحداث، فكان جوابه مهذبا، وأن الجزائر ومصر شقيقتان، وما حدث شغب جماهيري لا يجوز أن يتحول إلى شقاق.

لكن يظهر أنه بعد عودته طُلِبَ منه المشاركة في تهييج الرأي العام، فانخرط بصخب مخجل في حلقة الردح، إذ كتب مقالة هجاء عنيف ضد الجزائريين، بعنوان (ذكريات جزائرية) وصف الجزائر فيها بأنها «بلد يعتصره البؤس»، و»تراثنا لا يعرف بلدا اسمه (الجزائر)، ولم يستخدم أحد هذه التسمية غير المطابقة لواقع الحال، أعني هذه الصحراء التي تمتد في كل الجهات»، ووصف الطلبة الجزائريين الذين يدرسون دراسات عليا في مصر بأنهم «مثال للغباء والعنف الداخلي والتعصب المطلق»، وأن «مصر هي التي أنفقت أموالها على الجزائر لتجعل منهم عربا»، وطال سبابه المقذع مدينة الخرطوم فوصفها بـ(الأتون البائس).

وهكذا هو يوسف زيدان، لا يمكن فهم حديثه في قضايا السياسة والفكر والتاريخ عن الدول العربية إلا في هذا السياق، فهو مثقف حسب الطلب، حتى أحداث التاريخ يسخرها خدمة لتوجهات السلطة، كما في محاولته المضحكة إثبات أن (المسجد الأقصى) الذي ذُكر في القرآن يقع في الجعرانة على طريق الطائف، والمسجد الذي في فلسطين هو اختراع أموي، واعتمد في إثبات هذا على ما ذكره الواقدي في كتابه (المغازي)، والأزرقي في (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار)، حيث جاء عند الأزرقي بسنده عن ابن جريج عن زياد أن محمد بن طارق أخبره بأنه اعتمر مع مجاهد من الجعرانة…، فقال له «من هاهنا أحرم النبي، صلى الله عليه وسلم، وإني لأعرف أول من اتخذ هذا المسجد على الأكمة، بناه رجل من قريش سماه، قال ابن جريج: فلقيت أنا محمد بن طارق، فسألته، فأخبرني أن المسجد الأقصى الذي من وراء الوادي بالعدوة القصوى مصلى النبي، صلى الله عليه وسلم، ما كان بالجعرانة، فأما هذا المسجد الأدنى (يقصد المسجد الثاني) فإنما بناه رجل من قريش». فرواية المؤرخين كما ترى تتحدث عن مسجدين في الجعرانة، أحدهما مكانه أدنى للمحرم راوي القصة، والآخر بعيد، فهو أقصى من المسجد الأول. ولا شك أن يوسف زيدان يعلم علم اليقين تفاهة الاستدلال بهذا على أنه المسجد الأقصى المقصود بالآية، لكنه يوافق منهجه في تسخير التاريخ خدمة لتوجيهات السلطة، وقد تسرَّب تسجيل له في (اليوتيوب) يتحدث فيه صراحة عن هدفه من محاولة إثبات أن المسجد الأقصى هو الذي في الجعرانة.

وهجومه على السعودية في مقابلة في قناة مصرية ووصفه لها بأنها العدو الأول لمصر؛ لأنها تتصرف بحمق، وأما إسرائيل فهي عدو عاقل، ووصف أهل مناطق نجد والحجاز والأحساء في الجاهلية (وهذه المناطق هي ما تتكون منها السعودية في العصر الحاضر) بأنهم لا حضارة لهم، بل هم مجرد (سرَّاق إبل) لا يمكن أن يفهم إلا في سياق منهج يوسف زيدان الذي أشرت إليه سابقا.

ومع الاعتراف ليوسف زيدان بتعمقه في فلسفة التصوف، وتاريخ الطب عند العرب، ومقدرته الروائية، إلا أن حديثه عن تاريخ العرب في الجاهلية، وتاريخ تدوين اللغة العربية يُبين عن فقر معرفي مخجل كما سأحدث عنه في المقال القادم، إن شاء الله.

المصدر: صحيفة مكة